Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php56/sess_cbp1e3gfc91pekta8hjtoqpv95, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/dampress/public_html/include.php on line 2

Warning: session_start(): Cannot send session cache limiter - headers already sent (output started at /home/dampress/public_html/include.php:2) in /home/dampress/public_html/include.php on line 2

Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at /home/dampress/public_html/include.php:2) in /home/dampress/public_html/include.php on line 93
هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟ الحلقة الثامنة .. بقلم: عبد الحق العاني

Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 20 نيسان 2024   الساعة 22:02:44
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟ الحلقة الثامنة .. بقلم: عبد الحق العاني
دام برس : دام برس | هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟  الحلقة الثامنة .. بقلم: عبد الحق العاني

دام برس:

انتهينا في الحلقة الماضية إلى استخلاص حقيقة مهمة أثبتها لنا التأريخ ومُفادها قبول المسلمين،  منذ العام الأول لرحيل نبي الرحمة (ص)، بجواز قتل المسلم إذا منع الخليفة "عقال بعير"!
فهل يعجب المراقب اليوم أن يرى ثقافة التكفير والقتل تبعث بهذا الشكل المرعب بعد أن أُسِّسَ لها منذ العام الأول لوفاة الرسول (ص)؟
وهذا أمر في غاية الخطورة لأن إستسهال قتل المسلم لا يمكن إلا أن يقود لشعور وقناعة ظاهرة أو باطنة بأن قتل غير المسلم لا بد أن يكون هيناً.... وهكذا بدأت ثقافة القتل في الإسلام تنمو بشكل تدريجي كما سنرى في حلقة اليوم..
فما أن إنتهت "حروب الرّدة" حتى بدأ المسلمون يبحثون عن حروب جديدة خارج حدود جزيرة العرب...فبدأت صفحة "الغزو" الإسلامي التي صبغت تأريخ الإسلام منذ ذلك اليوم حتى إنتهاء الخلافة العثمانية في مطلع القرن العشرين..
وقد سبق أن بينت أن "الغزو"، والذي إعتاد تأريخ المسلمين أن يمجده حتى أنه سمى الحروب التي قاتل فيها النبي (ص) دفاعاً عن المسلمين "غزوات"، هذا الغزو ليس إلا كلمة ملعونة في القرآن الكريم حيث إنه تعالى لم يطلق لفظة الغزاة إلا على المشركين في قوله "ـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَقَالُوا۟ لِإِخْوَ‌ٰنِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ أَوْ كَانُوا۟ غُزًّۭى لَّوْ كَانُوا۟ عِندَنَا مَا مَاتُوا۟ وَمَا قُتِلُوا۟ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذَ‌ٰلِكَ حَسْرَةًۭ فِى قُلُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ يُحْىِۦ وَيُمِيتُ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ" ولم ترد حتى مرة واحدة في صفة المؤمنين... فكيف أباح المؤرخون والفقهاء لأنفسهم أن يطلقوها على سيرة النبي الأكرم (ص)؟
ثم إستعار المؤرخون والفقهاء كلمة قرآنية رائعة وهي "الفتح" لوصف الغزو الإسلامي مدعين بذلك أن غزو المسلم لأي أرض هي فتح من الله... ناسين أن لا علاقة بين قوله تعالى "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًۭا مُّبِينًۭا  لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَ‌ٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا" وبين الغزو المادي لأي أرض، ذلك لأن أغلبهم لم يدرك يوماً العمق الغيبي للخلق وعلته بل وجدوا الأمر لا يتعدى الأكل والشرب والنكاح فدارت حياتهم وفقههم حول هذه لا غير! فإذا غضب أحد لما أقول فليأتنا برسالة واحدة لأحد ائمة الفقه أو المذاهب عن علة خلق السموات والأرض رغم قوله تعالى "ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمًۭا وَقُعُودًۭا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَـٰطِلًۭا سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَاب النار". وحين يعجز عن ذلك سآتيه بألف رسالة لهؤلاء الفقهاء وأئمة المذاهب وهي تبحث في الطهارة والحيض ومبطلات الوضوء والفرق بين "بحيرة" و"سائبة" وما شابهها من  أمور الدنيا الفانية. ويكفي لإثبات جهلهم عن إستيعاب الإسلام أنهم لم يميزوا في ما كتبوا بين الروح والنفس رغم وضوح ذلك في الكتاب الكريم!
والغزو الإسلامي لا يختلف عن أي غزو في تأريخ البشرية، فكل غاز إدعى سبباً لغزو الآخرين... وقد يكون الغازي صادقاً في هدف ما يدعيه وقد يكون كاذباً لكن النتيجة واحدة في أن الغازي يفرض إرادته إذا انتصر..ولابد من التوقف هنا عند حقيقة مهمة وهي أن الغزو وقع باسم كل دين وإن اختلفت الأداة والمساحة إلا أن كل دين إستُعمِلَ سبباً للغزو والإستعلاء والهيمنة ... فلا يقولن القبطي المتحامل على الإسلام ان غزو الصليبين الوحشي لبلاد الشام لم يكن باسم الدين.. فقد كتب أحدهم، وهو ولا شك ينظر بعين واحدة، أسطراً أنقلها هنا كما وردت بأخطائها اللغوية:
" يضيف الكثيرون الحروب الصليبية إلى الحروب الدينية ... ولكنها لا تطابق مواصفات الحروب الدينية (النوع الثالث) ، إلا أنها كانت حروب مقدسة في عرف أتباعها لأنها كانت في عقيدة بسطاء مسيحي أوروبا ، تحت حماية الإله (النوع الأول) .. وقد تحمل طابع سياسي او اقتصادي أيضا ، ولكنها لم تكن مقننة بشريعة مسيحية ، ولم تهدف في الأساس لنشر الدين المسيحي ، بل استعادة الأراضي المقدسة المسيحية التي سقطت تحت الاحتلال الإسلامي منذ القرنين السابع والثامن الميلادي ."
فكيف لا يكون إلا عمى قول من يقول ان الحروب الصليبية كانت لإستعادة الأراضي المقدسة المسيحية التي سقطت تحت الإحتلال الإسلامي؟ وهل للبريطاني القادم من شمال بريطانيا حق في القدس لكي يأخذها؟ ومتى تَنَصَّرَ حتى يطالب بهذا الحق؟ وكيف يختلف عن إدعاء المسلم أن له الحق في هداية الناس بقوة السيف؟ ثم ما هو هذا التلاعب بالألفاظ في التمييز بين حروب "دينية" وأخرى "إلهية" لنفي صفة العدوان عن الحروب الصليبية؟ إن كل غزو في التأريخ هو عدوان يهدف لإخضاع الآخرين لهيمنة الغازي وأي تسويغ خلاف ذلك ليس إلا لغواً! وقد يكون من الواجب تذكير الناس بأن ما فعله الصليبيون في بلاد الشام حين استباحوها أضعاف ما فعله المسلمون حين أخرجوهم منها...
فهل كانت حروب المسلمين في بلاد الشام والعراق عدواناً أم هداية؟ ولا يمكن لأحد أن يتغاضى عن خطورة سؤال كهذا لأنه يتعرض لأسس التأريخ الإسلامي الموروث والذي بني عليه الكثير والكثير..
والجواب على هذا السؤال له مدخلان، أولهما هو الرد على ما إذا كانت بلاد الشام والعراق تعد مما كلف به نبي الرحمة (ص) في إنذار أم القرى ومن حولها؟ والمدخل الثاني هو الإجابة على ما إذا كان قد وجب على النبي (ص) فرض الإسلام على نصارى ويهود العراق والشام من العرب؟
كنت قد بينت في الحلقات السابقة أن الإسلام جاء للعرب وللعرب وحدهم كما جاء لكل قوم دين ونذير بلسانهم " وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ"... وقد حدد تعالى لنبيه الأكرم (ص) حدود تكليفه بين سائر الأنبياء بأنه جاء "لِتُنذِرَ قَوْمًۭا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ فَهُمْ غَـٰفِلُونَ" وهم الذين عرفهم في وصفه تعالى "وَكَذَ‌ٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌۭ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌۭ فِى ٱلسَّعِيرِ".. وهذا يجيز للمسلم أن يدعي أن قتال الروم والفرس كان حرباً دفاعية لأن اصل العدوان وقع في غزو الروم والفرس لأرض العرب... وهذا القول ليس محاولة لإيجاد الأعذار لكنه حقيقة تأريخية إذ أن وجود الفرس والروم في أرض العرب كان عدواناً ورد العدوان لا يكون عدواناً فقد قرر تعالى "ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ" فيكون إرسال الجيش لبلاد الشام والعراق نصرة لعرب تلك البلاد وتنفيذاً لقوله تعالى "لتنذر أم القرى ومن حولها" ما دامت مكة أم القرى العربية وكانت بلاد الشام والعراق من تلك القرى..... وهو ما فعله الرسول الأكرم (ص) حين أرسل جيشاً لينصر أهل "مؤتة" ويرد عنهم عدوان الروم ثم عقد الراية قبل وفاته لأسامة بن زيد بن حارثة ليرد العدوان مرة أخرى وينتقم لأبيه زيد بن حارثة وجعفر بن ابي طالب وعبد الله بن رواحة ومن أستشهد معهم من المؤمنين قبل أن يعود خالد بن الوليد بجيش المسلمين مهزوماً!
إلا أن الإجابة بجواز قتال الروم والفرس في الشام والعراق لا تجيب على الباب الثاني في هل انه يترتب على قتالهم فرض الإسلام على أهل الكتاب في هذين البلدين....وهو لا ينفصل عن السؤال الذي سبق وضعه حول ما إذا كان الرسول الأكرم (ص) قد كلف بفرض الإسلام على نصارى ويهود جزيرة العرب ممن كانوا في المدينة أو مكة أو اليمن..وقد سبقت إجابتنا على هذا السؤال في أنه (ص) لم يدعو اليهود ولا النصارى للإسلام فحين أسلم نصارى نجران كان ذلك طوعاً بعد محاججتهم للرسول (ص) وليس لدعوة منه أو خيارات كما حدث لاحقاً..وحتى لو أنه كان سيدعو يهود ونصارى جزيرة العرب للإسلام فإنه كان سيدعوهم كما أمره مولاه أن "ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ" لا بالسيف!
كما ان حرب المسلمين في الشام والعراق اتصفت بمبدأ آخر لم يعرفه المسلمون في عهد الرسول وهو عرض الخيارات الثلاثة بين الإسلام والجزية والقتل...ولا أعرف إذا كان بمقدور أحد أن يحدد بدقة من وضع هذه القاعدة الحربية التي أصبحت سنة كل الغزو الإسلامي بعد ذلك لكن هذا الأمر ليس مهماً بالنسبة لبحثنا هذا، إنما المهم هو ما هي القاعدة الشرعية التي استند إليها واضع هذه الخيارات.... وكيف طبقت هذه القاعدة على الأرض المقهورة.
وأي قارئ للتأريخ وليس الباحث أو الدارس له لا بد أن يتوقف ليسأل سؤالاً في غاية البساطة: كيف يمكن لأي شعب أن يجيب على طلب جيش يقف على حدوده وهو يسأله أن يختار بين كتاب لا يعرف لغته ولا شيئاً عنه وبين أن يدفع ضريبة إذا رفض أو أن يقتل إذا رفض الإثنين؟ أي بمعنى آخر أليس من قبيل تسخيف عقول الناس دعوتهم لقبول ان المسلمين منحوا الآخرين خيارات حقيقية قبل قتالهم حين كانوا يعرضون عليهم أن يختاروا بينما كانت جيوشهم تقف على حدود القرى والمدن؟
ولا بد من التوقف عند الجزية وفرضها.. وأول ما يواجه الباحث عنها أنها وردت مرة واحدة في الكتاب الكريم في قوله تعالى:
" قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُوا۟ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍۢ وَهُمْ صَـٰغِرُونَ".
وفي هذا دليل لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
والجزية ليست عقوبة كما يعتقد البعض فمصدرها الفعل "جزي" ويعني " قيام الشيء مَقامَ غيره ومكافأتُه إياه" منه قوله تعالى: "لا تَجْزي نفسٌ عن نَفْسٍ شَيئا". وهو يقع في العقاب والثواب معاً ومن ذلك قوله تعالى في الحالين:
"إِنِّىٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ ۚ وَذَ‌ٰلِكَ جَزَ‌ٰٓؤُا۟ ٱلظَّـٰلِمِينَ"
" فَأَثَـٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُوا۟ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَ‌ٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ"
وهي ضريبة كما أخبرنا ابن فارس قي مقايييس اللغة:
" والضّريبة: ما يُضرَب على الإنسان من جزيةٍ وغيرها". فجعل الجزية ضريبة. وجاءت بمعنى "خَراج الأرض".. فلما نص الكتاب الكريم على وقوعها على أهل الكتاب فإن معاجم اللغة أدخلت المعنى الجديد لها لتقول ان :"الجِزْيَةُ ما يُؤخذ من أهل الذمّة، والجمع الجِزَى." إذ أن هذا الإستعمال لم يكن معروفاً قبل الإسلام. وهكذا يتضح أن أحد معاني الجزية هو الضريبة التي فرضت على أهل الكتاب خلاف الزكاة التي فرضت على المسلمين.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يفرضها رسول الله على يهود المدينة إذا أردنا أن نبحث في يهود جزيرة العرب فقط دون نصاراها؟ فقد أسس الرسول (ص) دولته في المدينة في العام الأول للهجرة وعاش اليهود في المدينة مع المسلمين لسنوات قبل طردهم منها. ألم يكن من المتوقع أن يفرض عليهم الرسول (ص) الجزية إذا كانت فريضة سماوية كما قال وفعل من جاء بعده (ص)؟
ولا يمكن أن يكون سبب إمتناعه (ص) عن فرضها إلا في قراءة دقيقة للآية الكريمة في فرض الجزية. فمن أنعم النظر فيها وجد انه تعالى ذكر قتال أهل الكتاب في حالات معينة حددتها الآية وهي: من كانوا منهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق. إلا أننا لا يمكن أن نقرأ هذه الاية دون أن نكون محكومين بحكمهم الأزلي في النهي عن العدوان في قوله تعالى "ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين". فيكون خلاصة كل ذلك هو أنه تعالى خاطب المسلمين في انكم ستدعون لقتال قوم من أهل الكتاب يعتدون عليكم، وهم سوف يعتدون عليكم لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... فمن كان من أهل الكتاب مؤمناً بالله واليوم الآخر فإنه لن يعتدي عليكم فلا يتوجب عليكم مقاتلته " لَيْسُوا۟ سَوَآءًۭ ۗ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌۭ قَآئِمَةٌۭ يَتْلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ". فإذا لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر فسوف يعتدون ويومها تجب مقاتلتهم حتى يخضعوا بدفع الضريبة...وهكذا يجب أن يكون سبب عدم فرض الرسول (ص) للجزية على يهود المدينة في أنه لم يجد منهم قتالاً ولا كفراً بالله واليوم الآخر إذ انه لو وجد ذلك منهم ولم يفرض عليهم الجزية فيكون قد عصى ربه، وحاشاه ان يفعل ذلك إذ انه آخر من يمكن أن يعصي الله في أي شيء!
مما تقدم يتضح أن فرض الجزية على أهل الكتاب ليس أمراً طبيعياً ولا تلقائياً يتحقق على كل ذمي لم يسلم، بل يجب أن تتحقق شروط الآية الكريمة السابقة لفرض الجزية فإذا لم تتحقق تلك الشروط فلا يجوز فرضها ..
ويبدو مما تقدم أن الخيارات الثلاثة ليست من الدين في شيء فلا هي من الكتاب الكريم ولا هي سنة النبي الأكرم (ص) ولا ينفع أن يقول من يقول بأنه سمع رسول الله يدعو لأخذ الجزية من أهل الكتاب لأن اي قول كهذا لا تسنده الوقائع لا يتجاوز حد التأويل المصطنع وحتى الإفتراء... فلو ان الرسول الأمي (ص) أراد فرض الجزية على كل أهل الكتاب الذين لم يسلموا لفعل ذلك في حياته وحيث إنه لم يفعل ذلك فلا يحق لأحد من بعده أن يفعله ويدعي أنه أمر من الله.. أي ان من يفعل ذلك بسبب السياسة التي تقتضيها أمور الدولة جاز له ذلك ولكن ليس له أن يقول انه من الإسلام الذي جاء به النبي (ص) وأمر به رب العزة!
وأعلم أن أكثر من شخص سوف يثير سؤالاً يدور على كثير من الألسن: كيف كان للإسلام أن ينتشر لو لم يقع الغزو للأرض خارج الجزيرة بدءً من الشام والعراق مروراً بإيران وتركيا والهند وشمال أفريقيا حتى أسبانيا؟ والجواب على هذا السؤال له بابان غيبي وواقعي.... فالغيبي يقول انه تعالى إذا شاء للإسلام أن ينتشر فإنه كان سينشره سواء أوقع الغزو أم لم يقع. فقد إنتشرت النصرانية في مساحة أوسع من الإسلام بحروب أقل.. أما الجواب الواقعي فهو قائم أمام أعيننا ذلك لأن الناس الذين اعتنقوا الإسلام دون حرب أكثر من الذين اعتنقوه بحرب. فالمسلمون اليوم خارج الأرض التي غزيت بالسلاح أكثر عدداً من مسلمي الأرض التي احتلت بقوة السيف... فاندونيسيا على سبيل المثال، وهي اكبر دولة إسلامية عدداً، أسلمت وظلت على إسلامها دون أن يطأها جندي مسلم... أما أسبانيا فرغم أن المسلمين استوطنوها لثماني مائة سنة إلا أنهم حين أخرجوا منها لم يتركوا فيها بيتاً مسلماً واحدا حتى من باب التقية!
وهكذا نجد أن الغزو الإسلامي خارج جزيرة العرب كان عملاً سياسياً قبل كل شيء، وقد يكون خدم الإسلام لكنه لم يكن بأمر الله ولا مهتدياً بسيرة نبيه (ص).. فإذا كان الأمر كذلك فلا بد من التساؤل ترى هل أن كل من قتل من أهل الكتاب أثناء حرب الشام والعراق كان ممن وصفهم رب العزة بمن لم يؤمن بالله واليوم الآخر ولم يحرم ما حرم الله ورسوله، وكيف تم التأكد من ذلك قبل قتله؟ فإذا لم يكن المقتول من أهل الكتاب كما وصفه رب العزة فكيف جاز قتله باسم الإسلام؟ الا يكون قتله في هذا الحال ظلماً؟
إن غزو الشام والعراق وإبتداع خيارات الإسلام أو الجزية أو القتل ليست في ذاتها فقط مهمة وخطيرة لكنها تغدو أكثر أهمية وخطورة إذا ما ايقنا أنها أصبحت شريعة الإسلام منذ ذلك اليوم وحتى عصرنا هذا... فقد أعطى الفقهاء أنفسهم سلطة جعلها قواعد شرعية فأصبح قتل غير المسلم شرعاً وأصبح قتل المسلم المرتد شرعاً وأصبح فرض الجزية على أهل الكتاب شرعاً... وهذه ككثير غيرها مما أصبح يسمى الشريعة الإسلامية تفتقد لقواعد قرآنية يمكن لها أن تقوم عليها.. إلا أن الفقهاء أولوها بعدة وسائل فمنهم من أحتج بسيرة صحابي وأوَّلَ أن هذا الصحابي لا بد أن يكون مصيباً ومنهم من قاس رغم كل محاذير القياس فقد قاس إبليس وأخطأ ودخل النار، ومنهم من إجتهد والمجتهد قد يصيب أو يخطئ! وليس عندي أي اعتراض في أي من هذا فلست ضد الإسترشاد بسلوك الصحابة ولست ضد قياس الفقيه ولست ضد إجتهاد العالم، لكني ضد من يدعي أن هذه شريعة الله ويقدمها للمسلمين على أنها كذلك.. ذلك لأنها من صنع الناس ويجب أن تقدم كذلك... وقد تتطابق مع شريعة الله، والتي لا يعلمها إلا هو، وقد لا تتطابق ولكننا لا نعرف دوماً جوهر ولا علة شريعته فلا يصح أن ندعي ما نجهل!
وقد ترتب على هذا الغسيل لأدمغة المسلمين أن الناس قبلوا وسلموا بأن ما جاء به الفقهاء هو من عند الله وما هو من عند الله..
فلا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي وجدت فيها نفسي مشدوهاً وأنا اسمع متعلماً مسلماً وهو يصر على أن في القرآن آية تقول ( والشيخ الزاني والعجوز الزانية فارجموهما..)، فإذا كان المتعلم العربي، والذي بطبيعته لا يمكن أن يقر أنه يجهل في أي شيء وإن كان يجهل في أغلب الأمور، إذا كان هذا المتعلم العربي صدق بالممارسات التي ابتدعها المسلمون على أنها شريعة الله رغم نص الكتاب الكريم خلافها، دون أن يكلف نفسه مشقة أن يبحث مصادر الكتاب وهو بين يديه، فما حال المسلم الذي لا يحسن الكتابة والقراءة؟ وكيف أثرت المبادئ التي وضعها الفقهاء والمؤرخون على أنها شريعة سماوية على صياغة الفكر الإسلامي لأربعة عشر قرناً.
وسوف نعرض في الحلقة القادمة، إن شاء الله، قبل الإنتقال لتدويل ثقافة القتل خارج أرض العرب، للدور الذي لعبته الشريعة الموضوعة في بناء الفكر الإسلامي القابل لذلك..
قل لا اسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور.
وللحديث صلة...
عبد الحق العاني
www.haqalani.com

الوسوم (Tags)

الإسلام   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   إلى / من دون قراءة
كيف يستطيع أي عاقل أن يحكم على أية مقالة دون قراءتها مستنداً إلى العدوان؟ وكيف قررت أن العنوان فاشل؟ هل لأن الكاتب يتساءل إن كان العيب في الإسلام أم أن للإسلام في أزمة بسبب المسلمين الذين يحكمون على الأمور بمظاهرها لا بحقيقتها؟ لقد أثبت أن المقالة صحيحة وأن الكاتب مصيب في تحليله، لأن علتنا هي في تمسكنا بما قال فلان وعلان وليس بما جاء به الرسول الأعظم (ص). فكيف ترى التسامح؟ في داعش أم في النصرة أم في الإخوان المسلمين أم في ما فعله عمر بن العاص أو صلاح الدين الأيوبي بأهل مصر؟ أم هل التسامح في حكام الخليج أو القرضاوي؟
حسن زيني  
  0000-00-00 00:00:00   مرة أخرى
مرة أخرى سنعيد ما قلناه في تعليقنا على ما ورد في الحلقتين السابقتين : 1 - بعد وفاة الرسول الكريم (ص) , اشتغل أئمة المسلمين بالسياسة و لم يشتغلوا بالدين و فرضوا على الفقهاء من أهل التقوى طاعتهم , و من شق عصا الطاعة تعرض للمضايقة و المقاطعة و النفي و .. 2 _ لقد خالف أمراء المسلمين بعد حقبة الخلفاء الراشدين ( و على نطاق أقل خلالها ) نصوص القرآن الكريم و سنة النبي و ألّفوا و اجتهدوا ليبرروا سياساتهم و أفعالهم و حاربو من خالفهم في الرأي و لو كان من المتّقين ... 3 - لقد كانت الفتوحات الاسلامية الني أرخها كتّاب أمراء المسلمين و شعرائهم على هواهم , حروب سياسية و ليست دينية و لكن بشعارات دينية , و مارسوا في هذه الحروب كل الجرائم من : القتل و السبي و الاغتصاب و السلب و بحجج واهية لا سند لها ... 4 - لقد دانت اسبانيا بالاسلام ثمانية قرون بحد السيف و عندما سنحت لها الفرصة تحررت من المسلمين و الاسلام معا ... 5 - الأزمة موجودة منذ وفاة الرسول (ص) بسبب اشتغال المسلمين و قادتهم بالسياسة و هم يلبسون الطرابيش , و كي تنتهي يجب حجرهم ( كما رجال الدين المسيحي في الفاتيكان و الكنائس ) و قصر نشاطهم على الدعوة و التبشير , و نزع كل سلطاتهم و أدواتهم و نفوذهم السياسي ... و الا سنشهد حروبا ستستمر و لا تنتهي و نحصد الأبرياء و كلها بفتاوى الجهلة المعدّة و الجاهزة تحت الطلب ... بوركت جهودكم ... و كان الله في العون
Ammar-en  
  0000-00-00 00:00:00   من دون قراءة...... العنوان فاشل
المشكلة بالعالم الي مفكرة انو دين التسامح هو المشكله
من دون قراءة  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz

Warning: Unknown: open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php56/sess_cbp1e3gfc91pekta8hjtoqpv95, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in Unknown on line 0

Warning: Unknown: Failed to write session data (files). Please verify that the current setting of session.save_path is correct (/var/cpanel/php/sessions/ea-php56) in Unknown on line 0