Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 20:05:26
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
العوامل الفاعلة في السياسة الأمريكية تجاه تركيا.. بقلم : الدكتور عوني صالح الحمصي
دام برس : دام برس | العوامل الفاعلة في السياسة الأمريكية تجاه تركيا.. بقلم : الدكتور عوني صالح الحمصي

دام برس:

مما لاشك فيه أن المتتبع للسلوك السياسي التركي منذ قيام الجمهورية التركية الحديثة وحتى الآن، يرصد أنها كانت محكومة بعدة اعتبارات وعوامل مختلفة سواء كانت داخلية أو خارجية، وربما يكون لها الدور الكبير في تحديد السياسة التركية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. سنحاول في هذا المطلب التركيز على أهم الأهداف والمصالح البعيدة والقريبة لكلا الدولتين من أجل فهم  طبيعة العلاقات التركية- الأمريكية بكل أبعادها ومكوناتها.لأن دراسة جملة المفاهيم العامة في طبيعة العلاقات السياسية والسيادية للدول ضمن إطار التوازنات الدولية والإقليمي التي سادت المجتمع الدولي والعلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية من أهم العناصر المنهجية في الكشف عن الكثير من الجوانب المهمة في طبيعة العلاقات الدولية التي سادت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومرحلة الحرب الباردة ، ومنه لابد من التركيز على طبيعة العلاقات الأمريكية- التركية، والتي تعود بتاريخها إلى عقود طويلة، أي منذ عهد السلطنة العثمانية، وخاصة عندما انتهت الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على مرافئ أفريقيا الشمالية وأنشأت مرافئ في البحر الأبيض المتوسط ، وعملت للحصول من الباب العالي على معاهدة تجارية تضمن فيها وصول تجار الولايات المتحدة الأمريكية إلى الموانئ العثمانية، وبالفعل حصلت على  جملة من العلاقات التجارية والاقتصادية، وتوجت هذه الجهود بعد عمل حثيث وطويل بتوقيع أول معاهدة في تاريخ العلاقات التركية- الأمريكية في 7أيار/مايو 1830، والتي حصلت من خلالها الولايات المتحدة على حقوق " الأمة المفضلة"، طبعاً مع استغلال غياب الأوروبيين الغربيين.

وزاد الاهتمام الأمريكي بتركيا أكثر في مرحلة الاستقطاب الدولية والإقليمية، عندما بدأت محاور الاستقطاب تظهر في فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث كانت متمثلة في أوروبة (بريطانيا- فرنسا) والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية .

إلا أنه في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية طرأت متغيرات هامة على الخارطة السياسية الدولية، من خلال خروج أوروبة من دائرة القوى العظمى وتحول الثقل الدولي الذي كانت تتمتع به أوروبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت النفوذ الأوروبي على الصعيد العالمي، بحيث كرست كل سياستها الخارجية لحماية مصالحها القومية الحيوية المادية والاقتصادية وحماية العالم الحر، وعملت على تهويل الخطر الشيوعي القادم من الشرق لاستقطاب كل الدول والقوى السياسية التي تسير في فلك النظام الرأسمالي العالمي. من أجل محاربة الخطر القادم من الشرق "الشيوعي"، ولقد وضع هذا الاستقطاب حجر الأساس لانقسام العالم إلى كتلتين رئيسيتين منذ إعلان مشروع "مارشال" من قبل الرئيس الأمريكي "ترومان"، والقاضي بتقديم الدعم العسكري لأوروبة الغربية والدول الحليفة المحاذية لهذا الخطر، والتي عدَّ بمثابة خط الدفاع المتقدم في مقدمتها تركيا لمواجهة الاتحاد السوفييتي.

واستمرت حالة الانقسام حتى وصلت ذروتها في تأسس الأحلاف الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبرى والمتمثلة ( الناتو، وارسو)، وبدأت سياسات التعبئة المستمرة واستنزفت الموارد والطاقات الاقتصادية والبشرية والإعلامية، ووضعت السياسات الاستراتيجية والتكتيكية لتعميق الانقسام من جهة، وتحقيق النصر من جهة أخرى في إطار حرب باردة بين المعسكرين. وفي ظل هذه الأوضاع الدولية، لا يمكن لنا تجاهل الأطراف الأخرى، وهي القوى الإقليمية - والتي يهمنا منها تركيا- التي احتلت وبصورة متزايدة الأهمية الكبرى في إطار الاستراتيجيات القطبية، ووضعاً حساساً في نطاق العلاقات الدولية المعاصرة، إذ لم يعد بالإمكان تجاهلها كفاعل في العلاقات الدولية أو كموضوع للاستقطاب الدولي في نطاق الصراع بين النظامين العالميين الرأسمالي والاشتراكي.

من هذه المعطيات الدولية والإقليمية السابقة، نجمَ ارتباط السياسة الخارجية لتركيا مع الغرب، وإقامة علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية كضرورة فرضتها اعتبارات جغرافية مع الاتحاد السوفيتي"سابقاً"، وأخرى مرتبطة بطبيعة الحرب الباردة، غير أنها كانت أيضاً نتاجاً للتوجه السياسي ومحاولة لإضفاء الشرعية على النخبة الأتاتوركية الحاكمة، وتشكلت العلاقات الخارجية التركية من خلال الهوية الأوروبية التي ادعتها النخبة العلمانية لنفسها، والتي كانت بدورها أساساً لصياغة "المصالح القومية التركية".

    باعتقادي، لم يكن هذا الأمر منطلقاً من أيديولوجيا بناء الدولة، وإنما من أيديولوجيا بناء الأمة على غرار الدول الأوروبية، لأن هيكل الدولة كان موجوداً ومكتملاً أصلاً من قبل، ومنه لا يمكن الحديث عن التوجه والسياسة التركية المتبعة في إطار الاستراتيجية الأمريكية من قبل الأتراك نابعة من قناعة ذاتية كاملة وذات طابع خاص بها. بل كون الولايات المتحدة الأمريكية برزت كقوة عظمى على الساحة الدولية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومنذ أن ورثت الدول الاستعمارية الأوربية كقوة مهيمنة على الساحة الدولية على وجه العموم، وفي الشرق الأوسط والمحيط الجغرافي له على وجه الخصوص تركزت استراتيجيتها في هذه المنطقة التي كانت - ومازالت- بالنسبة للإدارات الأمريكية المتتالية منذ عقد الأربعينات من القرن العشرين وحتى وقتنا الراهن تمثل المنطقة الحساسة من العالم، وذات المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية كونها تتمتع بموقع استراتيجي هام ، بالإضافة إلى كونها تعوم على بحر من الذهب الأسود المصدر الرئيس للطاقة في العالم إلى يومنا هذا، وبناء على ذلك، بدأت عملية استقطاب الدور التركي في هذه الاستراتيجية، والتي يمكن أن تتركز حول ثلاثة محاور رئيسة يسميها الخبير الأمريكي " مايكل هدسون " بالثالوث المقدس وهي:


1. منع الاتحاد السوفييتي من التغلغل إلى المنطقة والتحكم بثرواتها.

2. ضمان أمن وسلامة "إسرائيل" والعمل على حمايتها وتقديم الدعم المستمر لها.

3. ضمان تدفق النفط من منطقة الخليج بأسعار مناسبة للاقتصاد الأمريكي والغربي عموماً.
ومن ناحية أخرى، لابد لنا من التركيز على السياسة الخارجية الأمريكية، القائمة على دعائم راسخة، والتي تمثلت بالمصالح الحيوية الأمريكية حسب الوثيقة التي أعدها مجموعة من الخبراء والمسؤولين السابقين في مواقع سياسية مختلفة تحت عنوان " المصالح القومية الأمريكية"، وهي:


1.منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومنع وقوع أي اعتداء عليها.

2. الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع اليابان وحلفائها الأوروبيين والآسيويين.

3. المحافظة على القوة العسكرية الأمريكية بما يسمح بحماية هذه المصالح الحيوية في هذه المنطقة الهامة من العالم.لكونها تمتلك المضايق البحرية والطرق البرية والجوية الهامة التي تشكل نقطة تواصل بين القارات الثلاث (أوروبة ،أفريقيا، آسيا).

4. منع ظهور أية قوة معادية لسياسات الولايات المتحدة في أوروبة أو آسيا.

5. منع انهيار التجارة الدولية أو النظام البيئي أو المالي أو موارد الطاقة العالمية.
وكل ما عدا ذلك من أهداف أو مبادرات كانت ومازالت وسائل لخدمة وتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، بغض النظر عن تغير طبيعة العدو وماهيته - وهذا ما سوف نبحثه لاحقاً- وخاصةً بعد سقوط إحدى ركائز النظام الدولي- انهيار الشيوعية- واستبدال الخطر الأحمر بالخطر الأخضر- الإسلام السياسي- ورغم أن البعض قد يختلف على ترتيب هذه الأولويات، لكن الثابت فيها أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت في مواجهة مع السوفييت خلال الحرب الباردة وعلى مدى خمسة عقود خوفاً من أن يمتد النفوذ الروسي إلى مناطق الخليج الغنية بالنفط ، من جهة، والسيطرة على ثروات المنطقة برمتها من جهة أخرى.

  ومن هنا، تركزت السياسة الخارجية الأمريكية وحلفائها على منع السوفييت من التغلغل جنوباً وغرباً، وذلك باعتماد نظرية الاحتواء التي وضعها مدير إدارة التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية "جورج كينان"، والتي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي "ترومان"، وتم تعزيزها " بمبدأه " القاضي بدعم الدول المعارضة للمد الشيوعي. بعد الاكتشافات النفطية، الممتدة من جبال الأورال إلى الحدود الغربية للصين والتي تمثل في نظر السياسة الأمريكية منطقة استراتيجية بالنسبة للمصالح الأمريكية وتحتل المرتبة الثانية بعد منطقة الشرق الأوسط .فهي بالنسبة لاحتياطيات الغاز والنفط والتي تقدر حوالي178 مليار برميل وبهذا تأتي بالمرتبة الثانية في العالم، وهو ما يفسر أن مصادر الطاقة تشكل الباعث الأول في رسم سياسات الولايات المتحدة الأمريكية  تجاه العالم.لذلك أصبحت الثروات النفطية في منطقة بحر قزوين مركز الصراع الدائر بين الدول الكبرى العالمية والإقليمي للهيمنة عليها، وعاملاً بالغ الأهمية في الوضع الجيوسياسي والجيواستراتيجي في تلك المنطقة في ظل الحرب الباردة على بناء حزام الأمن الشمالي، إذ أنصب الاهتمام الكبير في هذه المرحلة على تركيا وباكستان وإيران الشاه.

فقد كان الوجود السوفييتي عاملاً مهماً في ردع النزاعات والتوترات حول هذه الثروات الضخمة. لذا كان قادراً قبل انهياره على درئها واحتوائها، وفي ظل المتغيرات الدولية تشكل هذه المنطقة اليوم في حقبة ما بعد السوفييتية بؤرة تجإذب وصراع اقتصادي وجيوسياسي واستراتيجي عنيف تشارك فيه أطراف دولية وإقليمية عديدة في مقدمتها روسيا وأمريكا وإيران وتركيا.

فضلاً عن شركات النفط العالمية العملاقة التي يمتلك الأمريكيون حصة الأسد فيها، وتعتبر الأحداث السياسية والعسكرية الجسيمة التي حدثت بين دول هذه المنطقة والأطراف الدولية فيها سوى جزء من اللعبة الأمريكية الاستراتيجية في العالم سعياً للهيمنة، ووضع يدها على ثرواتها والتحكم بها، والحروب التي تفتعلها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحادي عشر من أيلول2001، إلا استكمالاً عسكرياً لتنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة في هذا الإقليم.

ومن هنا يمكن تلخيص الأهداف الاستراتيجية البعيدة للسياسة الأمريكية في هذه المنطقة وهي:


1. السعي الدائم لإيجاد بديل منافس أو مواز لنفط الخليج، بهدف التقليل من الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة، وممارسة الضغط على بلدانها لجعلها أكثر استجابة مع السياسة الأمريكية العالمية.

2. إنشاء البنية التحتية لما يسمى التعددية الجيوسياسة في منطقة القوقاز وبحر قزوين لإنهاء الوجود والنفوذ الروسي في هذه المنطقة،وتوسيع الحلف الأطلسي نحو التخوم الغربية لروسيا.

3. إنشاء منظومة لممرات استراتيجية اقتصادية/ نفطية أورو- آسيوية والتحكم بها، وذلك من دون المرور في الأراضي الروسية أو الإيرانية أو الصينية.

4. العمل على العزل الجيوسياسي لإيران التي ستجد ذاتها أمام أحد الخيارين التالين:الأمر الأول: إما الرضوخ لتوجهات السياسة الأمريكية وهذا باعتقادي أمر بالغ الصعوبة بسبب التناقض الفكري والإيديولوجي والتوجه السياسي المختلف لكلا الطرفين. وإمَّا العمل على إثارة المؤامرات والصراعات والنعرات والفتن. من خلال إيجاد قوى وأحلاف جدد للضغط على إيران وخاصةً بعد افتعال الأزمة النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي والإقليمي والوكالة الدولية للطاقة الذرية وتداعياتها السياسية والاقتصادية ...الخ.
وفي هذا الصدد عبر الباحث الروسي"ديمتري يلسييف" عن الموقف الروسي حيال هذه السياسة الأمريكية، بقوله:"إن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية منطقة قزوين والمناطق المحايدة لها منطقة لمصالحها الحيوية الاستراتيجية..الخ. مما يتطلب على السياسة الروسية الاقتصادية والخارجية إعادة النظر جذرياً في هذه المنطقة، ووضع كل الإمكانيات المتاحة، بما فيها القدرة العسكرية، لمخاطبة الولايات المتحدة الأمريكية على قدم المساواة "، ومن هنا جاء الاهتمام الأمريكي بتركيا وبموقعها الاستراتيجي، ولعل من أهم العوامل الفاعلة في هذه التوجهات:


1. التأكيد على دور تركيا في مواجهة الخطر الشيوعي أو كقاعدة عسكرية متقدمة أو كرأس أو جسر باتجاه الخليج العربي والشرق الأوسط. وهذا ما عبر عنه الباحث والصحفي البريطاني Patrick Seale، بقوله: " إن تركيا تمثل حصان طروادة الغرب في الشرق أو جندرمة متقدمة في موقع متقدم".وبهذا اعتبرها بمثابة شرطي متقدم للإمبريالية الأمريكية ، وقاعدة شبه دائمة لها في المنطقة. وبالفعل، تسعى الولايات المتحدة منذ عقود خلت لتمتين علاقاتها مع تركيا للتأكيد على دورها كقاعدة أو جدار للحلف الأطلسي في الشرق لتؤدي دورها بنجاح. وربما اليوم يعاد لها هذا الدور وبامتيازات وإغراءات جديدة أكثر من العقود الماضية بعد إعلان الولايات المتحدة إعادة نشر الدرع الصاروخي في المنطقة، وفي المقابل من ذلك نلاحظ الرفض الروسي والإيراني لذلك.

2. تعد الأراضي التركية التي تتواجد فيها أهم القواعد العسكرية الأمريكية، والتي تصل إلى مئة قاعدة أمريكية/ أطلسية مشتركة، تحتوي حوالي10000 خبير وعسكري، وبالأخص قاعدة "سينون" الواقعة على البحر الأسود، والتي تعدُ من أهم مراكز التصنت القديمة /الجديدة في المنطقة.كذلك قاعدة" إنجرليك" على البحر الأبيض المتوسط ، وقاعدتا "أزمير ودياربكر" اللتان تمثلان أهم القواعد الجوية للطيران الأمريكي، وقاعدة "سيجلي" الجوية على السواحل التركية في بحر إيجه، التي تعدُ مقر قيادة القوة التركية التكتيكية السادسة التابعة لقيادة حلف الناتو والمخصصة بصورة جوهرية لأغراض مباغتة وسريعة في المنطقة عموماً.بالإضافة إلى وجود شبكات تجسس الكترونية ضخمة لجمع المعلومات عن التحركات العسكرية لخدمة برنامج" الدفاع الاستراتيجي الأمريكي"، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي"ريغان" عام1983 في إطار حرب النجوم .
ويبدو أن هذا البرنامج جاء معبراً عن مصالح القيادة العسكرية التركية،كونه يحقق التفوق العسكري لها على دول المنطقة، وقد عبرت هذه القيادة عن ذلك من خلال حديث وزير الدفاع التركي آنذاك " زكي يافوزتك"، الذي قال: " إن تركيا قد قالت نعم لبرنامج الدفاع الاستراتيجي الأمريكي" ،وتلا هذا التصريح تصريح آخر لوزير الخارجية التركي آنذاك"وحيد اوغلو"، الذي يقول :" لا يمكن لتركيا الاستغناء عن هذا البرنامج ،وسوف نلتزم به ونسهل مهماته"، وانطلاقاً من هذا، بدأ السعي لعقد اللقاءات العلنية والسرية، والتي توجت أخيراً بتوقيع وثيقة سرية بتاريخ 9/تموز/1986 – أي قبل انهيار الإتحاد السوفييتي بأربع سنوات- وافقت من خلالها تركيا على تخزين الأسلحة النووية الأمريكية في أراضيها، بعد أن رفضت اليونان ذلك. باعتقادي تأتي أهمية ذلك القرار الاستراتيجي التركي كونها كانت تفكر بهذا ليس لمرحلة آنية فحسب. بل تهدف من وراء ذلك تحقيق أهداف قريبة /بعيدة أنية أو مستقبلية، وهذا يعني أنها إذا لم تكن اليوم تمتلك هذه الأسلحة فإنها تمتلك المعلومة لصناعة وتطوير هذه الأسلحة، وهذا ما عبر عنه الصحفي الأمريكي " ولتر ليبمان" قائلاً:" إننا اخترنا تركيا لهذه المهمة لأنها تمثل البوابة الاستراتيجية المؤدية للبحر الأسود وايجه والمتوسط، ويمكن أن تشكل عاملاً مهماً في استخدام القوة النووية والردع النووي، وفي جميع الأوقات،وفي الأخص زمن الحروب."


3- تغطية مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقية من خلال مراقبة تحركات الأساطيل والبواخر البحرية، والتقاط أي تحرك يجري فيه، وذلك من خلال تصعيد حرب التجسس والتشويش، وكشف المناطق الاستراتيجية العربية على الأخص منطقة الخليج العربي وإيران.الذي بدوه يقدم الدعم النفسي واللوجستي لإسرائيل في حروبها الراهنة والمستقبلية ضد العرب في حال حدثت، وهذا ما حدث في العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان في صيف عام 2006، وعلى قطاع غزة 2008.

4- من الواضح أن الخبراء العسكريين والسياسيين في الإدارات الأمريكية يدركون أهمية تركيا من خلال هذه العلاقة معها، لما تتمتع به من موقع استراتيجي هام ، وينطوي ارتباطها بالغرب وتأييدها لمجمل الأهداف البعيدة والقريبة في السياسة الأمريكية على الخصوص، والأهداف الأوروبية على وجه العموم، كذلك تحتل موقعاً حساساً في إطار استراتيجية الدول الغربية في أكثر مناطق العالم حساسية، وهي تمثل في نظرهم قاعدة ثابتة برية وبحرية وجوية، بحيث تشرف على المناطق الهامة جداً بالنسبة إليهم، فهي تقع على مفترق طرق القفقاس، والبلقان، والشرق الأوسط، وبوابة آسيا الوسطى للخيرات النفطية، والقدرة على المساهمة في احتواء إيران والعراق ، ودولة ذات توجهات غربية،وعلمانية ديمقراطية مستقرة مما منحها دوراً بالغ الأهمية بوصفها عامل استقرار في منطقة شديدة الاضطراب من جهة، وباعتبارها عنصر اعتدال وتوازن في العديد من النزاعات الإقليمي الحالية والمستقبلية المتفاعلة على أعتابها من جهة أخرى.

5- تقديم المعونات العسكرية والسياسية في كل المجالات، والحرص على استمرار النظام التركي المرتبط بالسياسة الأمريكية،خوفاً من فقدان ثاني أكبر حلقة من حلقات الاستراتيجية الأمريكية، بعد فقدانها في تجربة سابقة "نظام الشاه"، والهدف من ذلك المحافظة على سلامة وأمن "إسرائيل" معنوياً وعسكرياً، وذلك من خلال الاستمرار في إجراء المناورات العسكرية المشتركة من الأراضي التركية وأساطيلها في عرض البحر الأبيض المتوسط وبحر ايجه من جهة. والعمل على إيجاد مبدأ التدخل السريع لخوض أية معارك عسكرية محتملة أو منح التسهيلات للقوات الأمريكية التي يمكن استخدامها وقت تشاء من جهة أحرى، وعلى الرغم من ذلك، شابَ هذه النقطة بالذات بعض العوائق والاعتراضات الرسمية وغير الرسمية الداخلية من قبل المجتمع التركي، وخاصة أثناء الاحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق في آذار عام 2003، الذي دخلت فيه العلاقات التركية – الأمريكية مرحلة جديدة.
6- يرى"ألبرت فولستتر"، المستشار والأستاذ الجامعي التركي " إن تركيا هي حجر الزاوية الذي لا غنى عنه بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، من خلال عملية الانتشار السريع للقوات الأمريكية في المنطقة". لذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية  إلى إشراك تركيا في الدرع الصاروخي، والذي يكمن وراء الخطة الأمريكية بجعل تركيا الركن الثالث لها بعد بولونيا وتشيكوسلوفاكيا لنشر الدروع الصاروخية على مقربة من الحدود الإيرانية، على أن توضع في هذه المرحلة محطة رادار ترصد الصواريخ الإيرانية البالستية ليتم التصدي لها بعد ذلك بالصواريخ، ولتشمل الخطة لاحقاً وضع صواريخ في إذربيجان والقوقاز.

ويمكن القول إن مجرد تأسيس مثل هذه المنظومة في تركيا يكفي وحده لتوتر العلاقات التركية- الإيرانية البينية، لدرجة لا يمكن لأحد أن يتكهن إلى أي حد قد تصل معها هذه العلاقات مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا وإيران لم يخوضا حرباً منذ العام 1639 عندما تم إبرام الاتفاقية التي وقعتها الإمبراطورية العثمانية مع "قصر الشرين"  لإنهاء الحرب بين الشعبين التركي والإيراني، قد رسمت هذه الاتفاقية حدود المثلث التركي-الإيراني-العراقي لغاية اليوم. كما أنه أي خلافات كانت تنشب بين البلدين كانت تحل دوماً على أساس هذه الاتفاقية. لكن مع تصاعد الخلاف بين وجهات النظر الأمريكية الإيرانية حول الكثير من القضايا، بدأ المسؤولون الأمريكيون يتوافدون إلى تركيا لاستخدام أوراق ضغط إقليمية على إيران. بدءأ من رئيس هيئة الأركان الأمريكية "جيمس كارتوايت"، مروراً بوزير العدل" مايكل موكاييس" ووزير الدفاع "روبرت غيتس"، إلى نائب الرئيس الأمريكي السابق "ديك تشيني"،بهدف إنشاء منظومة رادار "X–BAND" ضمن شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ أرضية مستندة إلى نقاط ارتكاز جغرافية متعددة قادرة على إسقاط أي صاروخ عابر للقارات يستهدف الأراضي الأمريكية أو أماكن وجود القوات والمصالح الأمريكية في الدوائر الإقليمية المختلفة (شرق آسيا، الشرق الأوسط، منطقة الخليج)، وخصوصاً إسقاط كل الصواريخ الإيرانية مهما كانت صغيرة قبل الوصول إلى هدفها. لكن السؤال الذي يطرح ذاته لماذا تصر الولايات المتحدة على بناء هذه المنظومة في تركيا مع أن العراق أنسب كثيراً بالنسبة لها المعروف أن منظومة "X–BAND" تتميز بقدرتها على رصد الصواريخ من على بعد 4000 كلم، وبالمقابل هي تحتاج لمسافة 2000 كلم، من أجل رصد الصواريخ ذات الإشارات الضعيفة للسيطرة على الصواريخ الإيرانية، وبما أن تركيا تبعد عن بعض المواقع الإيرانية بـ2500 كلم، وهذا يعني، من الناحية المنطقية، أنَّ المنظومة كما ستكون النشاطات فيها أكثر فعالية، ويأتي الإصرار الأمريكي لتحقيق غرض سياسي بتركيا بدلا من أي دولة أخرى لا يعني سوى أمراً واحداً فحسب، وهو أنها تريد إقحام تركيا في هذه المنظومة وإحداث شرخ في العلاقات التركية –الإيرانيةوالاقليمية.لذلك، لا تخفي أمريكا رغبتها في زج تركيا بهذا المشروع الصاروخي، والسؤال الأهم: هل سترضى تركيا بهذه المشاركة وهي تعلم بأن جارتها إيران هي المستهدفة..؟

في الواقع حول هذه القضية، وبعد الاجتماع الذي عقده الرئيس التركي "عبد الله غول"مع كبار القادة السياسيين والعسكريين الأتراك، والذي تم فيه الإعلان عن استعداد تركيا لنشر جزء من هذه الدرع على أراضيها بحكم موقعها بين أوروبة والشرق الأوسط، على أن تتم حمايتها من التهديدات المحتملة، ليس من إيران وحدها إنما من الجهات الأخرى.

وما يلفت النظر أن هذا القرار جاء بعد أسابيع من زيارة قام بها نائب الرئيس الأمريكي السابق "ديك تشيني" إلى أنقرة والتي نقل فيها الرغبة الأمريكية في بناء درع صاروخي في تركيا. لتكون بمثابة القاعدة الثالثة للدرع الصاروخي في أوروبة، وأن الخطة الأمريكية النهائية تقوم على بناء منظومة رادار "X-Band" في تركيا القريبة من الحدود الإيرانية، بينما يتم نصب صواريخ دفاعية في منطقة القوقاز على أن يكون مقرها أذربيجان في أقوى الاحتمالات،لرصد الصواريخ البالستيية الإيرانية والتصدي لها. ولعل التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم البنتاغون" جيوف موريل" بالغة الأهمية، فهي تكشف بوضوح عن النية الأمريكية في إقحام تركيا بنظام الدرع الصاروخي الذي سيتم استخدامه ضد إيران، مؤكداً على أن وزير الدفاع الأمريكي "روبرت غيتس" تحدث في هذا الأمر مع المسؤولين الأتراك.

أما الجانب التركي، فيحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الحديث في هذا الموضوع، وكأنه يريد تهميشه أو التعتيم عليه.لكن من الواضح أن الإدارة الأمريكية تولي أهمية خاصة لهذا الموضوع من خلال تصريحات رئيس الوكالة الأمريكية للدفاعات المضادة للصواريخ الجنرال "هنري أوبيرنغ" في أكثر من مرة عن فوائد نصب رادار متنقل للدفاعات المضادة للصواريخ من طراز " X-Band" في تركيا. تأمل الولايات المتحدة أن تتحول تركيا كدولة إسلامية معتدلة وديمقراطية إلى حليف استراتيجي تضيف إلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الانضمام للاتحاد الأوروبي في يوم ما. كما كانت تركيا في الحرب الباردة تقف على الخطوط الأمامية في مواجهة الاتحاد السوفيتي، يجب أن يكون لتركيا الدور المهم في التصدي للتشدد الإسلامي في الحرب على "الإرهاب" وأن تكون جزءاً من مشروع الإدارة الأمريكية لنشر الديمقراطية في العالم بوجه عام -حسب رأيهم-، والمنطقة بوجه خاص من خلال ما أطلق عليه اسم "الشرق الأوسط الكبير" بسبب موقعها الاستراتيجي الهام كونها تعد  من اللاعبين المهمين في المنطقة، وأحدى أكبر القواعد الأساسية والاستراتيجية. فمثلما كانت في فترة من الفترات تشكل خط دفاع أول في وجه الخطر السوفيتي سابقاً، بعد الانتهاء من هذه المهمة، ربما يبحث لها عن مهمة مستقبلية أخرى، خاصة وأن المشاريع الاستعمارية للمنطقة كثيرة. فالسياسة التركية تجهد لتظهر ذاتها بمظهر الحليف الإقليمي والحامي للمصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا يعني أنها لن تتماشى مع أية سياسة متناقضة مع سياسة الولايات المتحدة. إلا أن الكثيرين يرون أن تركيا التي كانت تعد الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وقد لعبت دوراً استراتيجياً كبيراً في فترة الحرب الباردة، إلاّ أنها اليوم تعيش أزمة حقيقية في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.فحين استقر الجيش التركي في شمال قبرص، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قطع التسليح عن تركيا، إلا أن البنتاغون عاد وقرر تزويدها بالأسلحة مرة أخرى. فتركيا تقع في منطقة غنية بالأزمات والتوترات، والولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إليها لكي تدير هذه الأزمات، أو حتى استخدام أراضيها للتحرك العسكري المباشر في المنطقة، ومن هنا تكمن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية في إقامة علاقات متجددة مع تركيا:


1. تعد تركيا حليفاً استراتيجياً ديمقراطياً دائماً، وسيكون لـها أثر على دول آسيا الوسطى ودول القفقاس.

2. الدور الكبير لتركيا في الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة ، وتسهيل حرية العمل العسكري الأمريكي في حال تطلب الأمر منها وهذا ما نلاحظه في الرد التركي السريع والمتمثل في التصريح وزير الخارجية التركي "أحمد داوود أغلو" الأخير عندما قال:استعداد تركيا في المشاركة في الضربة الأمريكية لسوريا حتى ولو كان الأمر خارج مجلس الأمن .

3. دور تركيا في دعم الأمن الإسرائيلي ودعم المحور الغربي في المنطقة.

4. دور تركيا لترويج "مشروع الشرق الأوسط الكبير" في المنطقة بصفتها بلداً إسلامياً مقتدراً، على أن تكون المحرك والفاعل الرئيس فيه، وهذا ما نراه اليوم في دعم المجموعات المسلحة الإرهابية في المنطقة.

5. مواجهة التهديدات الآنية والمستقبلية للمصالح الأمريكية في المنطقة، من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة بعد ما أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية جارة لإيران إثر احتلالها لأفغانستان والعراق. ففي حال نشوب عمليات عسكرية بينهما فإمكانيات الرد الإيراني ستكون مباشرة للقواعد العسكرية الأمريكية ولجميع مصالحها الحيوية النفطية والغاز على ضفتي الخليج العربي.


 

الوسوم (Tags)

تركيا   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz