Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 14:36:32
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
الأمم المتحدة.. البديلة ! بقلم: القانونية أمل عبد الهادي مسعود
دام برس : دام برس | الأمم المتحدة.. البديلة ! بقلم: القانونية أمل عبد الهادي مسعود

دام برس:

جاءت ولادة الأمم المتحدة متزامنة مع نهاية الحرب العالمية الثانية, وحرص واضعو ميثاقها على التركيز على التعاون الدولي, لأنه السبيل الوحيد لحل المشاكل الدولية وضمان الأمن والسلام الدوليين، والاستفادة من تجارب عصبة الأمم والاتفاقيات الدولية التي أبرمت قبل وبعد قيامها, والتي نصت مواثيق بعضها صراحة على تحريم الحرب وعدم اللجوء إلى القوة كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية، كاتفاقية باريس (بريان كيلوج) لعام 1928، وأن تتلافى الثغرات والقصور الذي ظهر في ميثاق العصبة وفي مواثيق الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيات لاهاي 1899ـ 1907.

وقد برزت  أهمية التسوية السلمية وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وغيرها من المبادئ في أكثر من فصل من فصول الميثاق وفي الديباجة التي تنص على أن: "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب... وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي... وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ على أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار, وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي, وأن نكفل بقبولنا مبادئ الأمم المتحدة ورسم الخطط اللازمة لها ألا نستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة". وللتأكيد على أهمية هذه المبادئ أفرد الفصل السادس بمواده من 33ـ 38 لحل المنازعات الدولية سلمياً، والفصل السابع بمواده من 39 ـ 51 للتدابير والإجراءات التي تتخذ في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.

 

وقد أجاز استخدام القوة وفوّض مجلس الأمن بذلك في حالتين:

1ـ بعد وقوع أعمال عدوانية.

2ـ قبل البدء في حالة توافر مؤشرات تدل على حالات تؤدي إلى تهديد السلام. وبذلك  تميز هذا  الميثاق عن ميثاق عصبة الأمم بأنة منح حق التدخل للجمعية العامة للأمم المتحدة في الحالة الثانية  ولمجلس الأمن في الحالة الأولى. 

والحقيقة، فإن الميثاق لا يحرم الحرب العدوانية فحسب, وإنما يحرم أيضاً التهديد باستعمال القوة. وهو لأجل ذلك أجاز للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة تتعلق بالمنازعات الدولية التي لها صلة بحفظ السلم والأمن الدوليين ـ يرفعها إليها مجلس الأمن أو عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو دولة ليست من أعضائها ـ دون حق اتخاذ تدابير قمع، وإنما فقط توصيات بالحلول والتسويات السلمية. وهذه التوصيات تتمتع بالقوة الإلزامية إذا ما أقرت بعض أحكام الميثاق أو القواعد القانونية المعترف بها أو فسرتها.

لكن لجوء الجمعية العامة إلى بحث قضايا هي من اختصاص مجلس الأمن بذريعة عجز هذا الأخير عن أداء وظائفه، شكّل الانطلاقة لتجاوز سلطات المجلس، ومنحها  للجمعية العامة. وكانت البداية في عام 1947 عندما شكلت الجمعية العامة ما يسمى (اللجنة الصغرى) لتقوم بوظائفها في الفترة الواقعة بين أدوارها السنوية، وقامت بذلك استناداً إلى المادة 22 التي تخولها ـ أي الجمعية ـ إنشاء فروع ثانوية تراها ضرورية للقيام بنشاطاتها، الأمر الذي اعتبر بنظر بعض الدول مناقضاً للمادة 20 من الميثاق، والتي تنص على اجتماعات سنوية للجمعية، وهذا يعني اغتصاب لدور مجلس الأمن.

أما التطور الآخر، فهو القرار الذي اتخذته الجمعية العامة عام 1950 بشأن الحرب الكورية تحت اسم (قرار الاتحاد من أجل السلام). وجاء ذلك في أعقاب قرار مجلس الأمن الصادر في 7/7/1950 والذي أوصى الدول الأعضاء بتقديم مساعدات إلى كوريا الجنوبية، حيث تم بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام تشكيل قوة تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك أثناء غياب المندوب السوفيتي. فتولت الجمعية العامة بذلك صلاحية تقرير ووجود تهديد أو خرق للسلم أو عمل عدواني وأصبح يحق لها أن توصي الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات من بينها استخدام القوة. ونص القرار على تشكيل "لجنة لمراقبة السلام" من أربعة عشر عضواً يمكن إرسالها إلى أي منطقة يوجد فيها "توتر دولي يمكن أن يعرض استمراره السلم والأمن الدوليين للخطر".

وقد كان القرار المذكور نقطة الانطلاق بتكوين قوات الطوارئ الدولية والقيام بعمليات عسكرية بالرغم من أن الميثاق صريح في تخويله مجلس الأمن وحده صلاحية إنشاء أية قوة مسلحة تتعلق بصيانة الأمن والسلم الدوليين. وذهبت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الخاص بنفقات الأمم المتحدة والصادر في عام 1962 إلى أن الجمعية العامة تستطيع تكوين قوات طوارئ وتستطيع التوصية بأي إجراء غير قمعي، لكن الإجراءات التي تقع ضمن صلاحيات مجلس الأمن وحده هي المتعلقة بتهديد السلم أو الإخلال به أو أعمال العدوان. وعندما أرادت الجمعية تصحيح الخطأ ودعت إلى سحب القوات، صدر القرار القاضي بإنشاء  قوات الطوارئ نتيجة لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المنظمة الدولية وتهديداتها المتكررة بوقف المساعدات المالية والانسحاب من المنظمات المتخصصة العاملة في إطارها واستعمال حق النقض الفيتو.

ومما ساهم في تحويل  المنظمة الدولية إلى قوة أمريكية بغطاء  دولي، أنه في عام 1993 قامت الأمم المتحدة بأكثر من عشر عمليات لـ "حفظ السلام" وقد زاد عدد قوات حفظ السلام على مائة ألف وهو ما أفقد المنظمة الدولية دورها كمنسق للعلاقات بين الدول، وحولها إلى أداة لإقامة الإمبراطورية الأمريكية في مواجهة الدول المارقة وكان حلف الناتو هو الأداة الرئيسية في تلك العمليات. 

وفي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تحديداً حُوّر المفهوم الأساسي للأمن الجماعي، وصار بنظر الأمم المتحدة "ليس عدواناً" عندما تقرر مجموعة دول الدفاع عن أراضي محددة أو قضية معينة. حيث يساهم هذا الحلف بنظر أعضائه في رسم خط يشكل تجاوزه انتهاكاً للأمن الجماعي. واعتبر أنصار هذا الاتجاه أنه يوجد تعارض بين وظيفة حلف الناتو والأمم المتحدة؛ فالناتو حلف محدد الأهداف وغالباً ما يستخدم القوة في التصدي لمخالفي خطوطه. أما الأمم المتحدة فهي نظام محايد بين الدول. ولإزالة هذا الالتباس فقد تم التخفيف من صورة الناتو في التسعينات من القرن الماضي من حيث المفهوم والتنفيذ، وتم إنشاء مجموعة من المؤسسات التي تبشر بتحول الناتو إلى أمم متحدة مصغرة؛ فهناك مجلس شمال الأطلسي المؤلف من سفراء لتسع عشرة دولة تنتمي إلى الناتو، والمجلس الدائم المشترك الذي يضم مجلس شمال الأطلسي بالإضافة إلى روسيا، وأيضاً مجلس الشراكة الأطلسية الأوربية الذي يضم الناتو إضافة لثماني وعشرين دولة من الكتلة الشرقية السابقة بما فيها روسيا، للمشاركة في تدريب مشترك لتنفيذ مهمات متعددة الجوانب وغير محددة، وهو ما يحوّل مهمات الحلف التاريخية إلى الكثير من مؤسسات الأمن التعاوني.

وهذا ما أشار إليه كلينتون في أسباب توسيع حلف الناتو وهي:

1ـ تقوية الحلف (لمواجهة الصراعات التي تهدد السلام المشترك للجميع) في القرن الجديد (احتمال صراعات عرقية وأخرى خارج نطاق دول الحلف).

2ـ المساعدات للحفاظ على المكتسبات التاريخية الديمقراطية في أوروبا.

3ـ تشجيع الأعضاء المحتملين لحل خلافاتهم بطريقة سلمية.                            

        وهذه الخطوة تأتي ضمن سياق تاريخي راسخ في العقيدة الأمريكية عبّر عنها صراحة هنري كيسنجر في كتابه (هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية) حيث دعا إلى إلغاء الأمم المتحدة وإلى إعادة النظر أو تجاهل النظام الدولي الوستفالي القائم على احترام سيادة الدول ومعه قبول القوة كعقاب، عبر تحويل الناتو إلى بديل للأمم المتحدة؛ فهذه الدولة ترفض لعب دور تكون فيه مجرد دولة أخرى تسعى كغيرها لتحقيق مصالحها القومية. والرئيس الأمريكي وودرو ويلسون رفض هذا النوع من التكافؤ الأخلاقي الذي يضع الولايات المتحدة بشكل مساو أخلاقياً مع الدول الأخرى وأن مهمة أمريكا على مستوى أخلاقي عال. ووفقاً لتعبير ويلسون فإن الهدف الشرعي والوحيد لدخول أمريكا الحرب هو إعادة تشكيل العالم على شاكلتها. ولهذا السبب حدد ويلسون هدف الحرب بعبارات ألفية: "نحن سعداء.. للقتال من أجل السلام النهائي للعالم.. يجب أن نعمل من العالم ملاذاً للديمقراطية, كما يجب نشر السلام على الأسس المجربة للحرية السياسية"، ورفض فكرة المصلحة القومية بكونها "معياراً للأنانية القومية". وكان الرئيس رونالد ريغان قد أكد على المبادئ ذاتها  بلغة أكثر حزماً وصراحة بالقول: " أصبحت أمريكا هي القائد في العالم بسبب قوتنا وبسبب القيم التي ترشدنا كمجتمع".

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى موقف المحافظين الجدد من مشروعية القانون الدولي ومؤسساته وفي فاعليتها في تحقيق الأمن أو العدالة، وعدم الثقة في الأمم المتحدة وانتقادها سواء أكانت وسيطا أو منفذاً للعدالة الدولية، وعدم التعاون معها، والتركيز على التعاون مع الحلف الأطلسي. وقد تجلت هذه الأفكار في عبارة الرئيس ريغان بوصف الاتحاد السوفيتي إمبراطورية الشر.. وقد آمنت إدارة جورج بوش الابن بأطروحة نهاية التاريخ، وأن العالم سوف يصير ـ نوعا ما بشكل طبيعي ـ مثل الولايات المتحدة، وأن التاريخ يحتاج إلى التنظيم المدبر والقيادة، والى التوجيه. ومن المفارقات الساخرة أن إدارة بوش عملت على تغيير نظم الحكم بوصفها عاملاً حاسما في سياستها في مكافحة الإرهاب وجزء لا يتجزأ من رغبتها في عالم رأسمالي ديمقراطي.

وقد دافع مؤلفا كتاب المخاطر الحاضرة(وليام إرفنغ كريستول ـ روبرت كاغان وهما من منظري المحافظين الجدد وذوي أصول يهودية) عن استخدام أمريكا لقوتها من أجل تغيير أنظمة الحكم في الدول المحكومة من حكام مستبدين..  أنها فكرة توحي بالطوباوية لكنها في الحقيقة فكرة واقعية للغاية وهذا الإيمان بقرب حدوث التغيير الديمقراطي لدى المحافظين الجدد مستند إلى شيئين الأول؛ له علاقة بتفسير الجاذبية الأساسية العابرة للثقافات والتي تحظى بها الديمقراطية، والثاني له علاقة بإيمانهم بمركزية القوة الأمريكية.

وبعد موجة الحمى الديمقراطية نستطيع أن نفسر كيف أن العدوى الديمقراطية تثور في مجتمع ما والى الحد المرسوم لها دون مجتمع آخر.. وحتى إذا لم يستوفِ ذلك المجتمع شروطاً بنيوية معينة حددها فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ. وهذا ما يفسر حتى فشل كل الثورات البرتقالية في أوربا الشرقية وغيرها من البلدان، ولماذا كانت إدارة بوش بتأثير المحافظين الجدد، ناقدين جدا للمبادرات الدولية الموجودة، مثلا في برتوكول كايوتا والمحكمة الجنائية الدولية.. وكيف سعت الولايات المتحدة إلى ما سمته نشر الديمقراطية في الخارج واحترام حقوق الإنسان عبر الضربات الجوية التي قام بها حلف الناتو في كوسوفو، حيث كانت تعتبر تلك الضربات الذروة في سلسلة التدخلات التي جرت باسم حقوق الإنسان والقيم الإنسانية.

وبعدها تم نشر قوات أمريكية في الصومال وفي هايتي وفي البوسنة والعراق، واليوم تدعم العدوان السعودي على اليمن، وذلك في ظل صمت مجلس الأمن والجمعية العامة. فهل ثمة شك أننا نعيش في ظل أمم متحدة بديلة تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى فيه إلى تطبيق مبادئها وقيمها على بقية دول العالم وفرض سياستها الخارجية دون النظر إلى مبادئ القانون الدولي التي تقوم أصلاً على احترام سيادة الدول ورفض العدوان والتدخل في الشؤون الداخلية.. وأن البديل للأمم المتحدة ومواثيقها هو حلف الناتو الذي يدير حرب خفية تدور رحاها الآن في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في سورية والعراق ولبنان واليمن.. والحرب القادمة ستكون في منطقة آسيا الوسطى وقزوين والقوقاز.. وإن صح التعبير هنالك "حرب باردة " من نوع آخر لا تنتهي إلا بإركاع روسيا الاتحادية والسيطرة على مصادر قوتها الاقتصادية ومنافذها على "المياه الدافئة" بحيث لا تقوى على تشكيل أي خطر سياسي أو عسكري يهدد حلف الناتو ومصالحه في أي زمان أو مكان.

الكاتب: القانونية أمل عبد الهادي مسعود

مصدر الخبر: SNS

الوسوم (Tags)
اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz