Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 00:45:44
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
"أن تأتي شهيداً خيرٌ من أن لا تأتي" دعوةٌ وابتهال ... آهاتٌ وأنات .. بقلم سهى سليمان

دام برس :

ما زالوا راكضين في كلِّ الاتجاهاتِ المستحيلة، باحثين بينَ حباتِ التراب، ومواسمِ الحصاد، منتظرين على جسرِ الخوف، قاطعين كلَّ حواجزِ الصورِ والذكريات، لا شيء سوى أسماء... أسماء حفرت على رخام حنون، لحد فارغ ينتظر الجسد، روح هاجرت إلى الجنان...

راضون هم ولو ببقايا جسد، أو كسرة من ثياب، أو حتى ذلكَ الحذاء، يناشدون بصوتِ الأنين: أعيدوا لنا ملامحَ صامتةً قاسية... أعيدوهم لنا لنحتضنَ الضوءَ المنبعثَ من أرواحهم... يردّدون بشفاهٍ راجفةٍ واجفة: "أن تأتي شهيداً خيرٌ من أن لا تأتي".

نعمْ هو ذا القول الشعبي الحديث، دعاءٌ أصبحتْ تتضرعُ به أفئدةُ من "الجنةُ تحتَ أقدامهم"، وتصدحُ به حناجرُ الزوجاتِ والأخوات... آهاتٍ وزفرات..

يعلو صوتُ تلكَ الأمّ وذلكَ الأب وهما ينظران إلى جنازةِ شهيدٍ يمرُّ من أمامِ منزلهما: "متى تأتي يا ولدي مكفناً بالعلم". فالهاجس الذي يقضُّ مضاجعهم أن يكونَ الابنُ أو الزوجُ أو الأخُ مخطوفاً أو مفقوداً أو مقطعَ الأوصال، لا ترابَ يدثره وإن دثرته السماء.

تناجي تلك الأمُّ ولدها وتجهد في طلبه بشتى الوسائل: تعالَ يا ولدي... أخافُ أن يصلبوك، تعالَ إليّ فسريرك دافئٌ وحنون، تعالَ لأجعلكَ إكليلَ غار، أو ينبوعَ فرحٍ وبسمةَ قوس قزح.

تعالَ لأزرعكَ حبة قمحٍ أو أغرسكَ ليمونة، أو ياسمينةً تعرّشُ عطراً يفوح، أو كرم عنبٍ أو زيتونةَ محبةٍ وسلام.

تعالَ لأجعلَ أمنياتكَ هديةَ الميلادِ والأضحى، أو شمساً لا تغيب، تعالَ لأصنعَ من نوركَ قمراً بدراً تغارُ منه النجمات، تعالَ رسماً في السحابِ والضباب، وصوتاً في الرعد... تعالَ وامتطِ موج البحار، أو اركبْ عنانَ السماء لتصل إلي قبل ضوءِ البرق.

تعالَ لن أوبخكَ إن تأخرتَ بالوصول، فالمهم أن تأتي ولو عندَ دعاءِ الفجرِ أو ابتهالِ الغروب.

تعال... وتعال... وتعال...

أما تلكَ الزوجةُ التي مزقتْ أفراحَها قسوةُ القدر، تتمعنُ بوجهِ أطفالها وتداعبُ وجناتهم الدافئة لتحاولَ أن تجيبَ عن سؤالٍ يجول في خاطرهم بحجم الثرى، "متى يأتي أبي"؟ فتغصُّ مقلتاها بدمعٍ يحرق الجواب، تتضرعُ يداها للسماء، راجيةً من الله أن يكونَ زوجها في ركب الشهداء.

ما زالوا جميعهم ينتظرون ضحكاتِ أحبائهم، يحتفظون في صندوقِ ذاكرتهم بعينين دافئتين، كانوا يأملونَ الربيعَ في أحلامهم ومستقبلَ أحفادهم، لكن قلوبهم تحولتْ لمدفنةٍ إسمنتية، أصبحوا جائعينَ لبرعمٍ فتي، ظمأى لغيمة ماطرة، مشتاقين لأهزوجةٍ شعبية.

لم يعودوا يعزفوا على أوتارِ أيامهم سوى أنغامَ الحزنِ الدفين، ولم تعدْ آذانهم تطربُ إلا لصوتِ زغاريدِ زفّةِ الشهيد، أمواجُ بحارِ أملهم تكسرت على صخورِ العهود..

لقد أصبحوا متعبينَ من الترقب، مثقلينَ من الانتظار، مقتولينَ برصاصِ الغدرِ والخيانة، تائهينَ في حب الوطن، مذبوحينَ على أرصفةِ الوعود، حاملينَ في حقائبهم زوادةَ الصبرِ والحنين، مستكينينَ للمنيةِ القادمةِ مع الأنين، يهاجمون هياكلَ الموت، يحاربونه بمسكِ الشهداء...

لقد أوصوهم أولادهم وأزواجهم وأخواتهم قبل أن يذهبوا أن "أدفنونا بين حنايا كلّ التراب، أو على حافةِ ذلك النهرِ أو عندَ شجرةِ الزيتون تلك، وإن لم تستطيعوا فارسموا شعاعاً يصلُ الأرضَ بالسماء، ليضيء حالكَ الأيام... وأخبروهم أنَّ القاتلَ ليسَ فقط من يحملُ السكينَ ويذبحُ ويقطّع الأوصال، بل من يتاجرُ بدماء الأبرياء، ويزرعُ الوعدَ الكاذبَ في حقائبِ الرجاء، ويصوّبُ سهمَ الخيانةِ لصدر الأوفياء..

لقد حزموا حقائب الوداعِ دونَ وداع...

لا شيءَ يحرقُ الحياةَ سوى الموت، وليسَ أقسى منه سوى نزفُ الغياب...

الوسوم (Tags)

الشهيد   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2014-11-08 02:29:23   لن نمل الانتظار
الى من يهمه الامر... اسمعو صرخات قلوبهم فقد اتعبها الالم والحزن والفقدان
الكاتب  
  2014-11-07 23:27:47   هذا هو الحال
نعم هذا هو حال أغلب الامهات... ننتظر الجثامين على احر من الجمر... فهل من مجيب لسؤالنا ودعائنا يارب
ليال  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz