دام برس:
لا شك أن المتابع لأحوال المنطقة العربية سيصاب بالهلع عند النظر إلى خط الرعب والإرهاب الذي يمدد الى سورية، ولا بد أن صور الضحايا الذين يتساقطون في كل مكان ستجعل مشاعر غموض المستقبل أمام عيون الجميع وهم عاجزون عن مواجهة هذا الكم المخيف من الرغبة في سفك الدماء وإستلاب أرواح الناس تحت راية الإسلام التي يعبث بها الجهلة، ويصمت عن إدانتهم فقهاؤهم الذين زرعوا في الشباب أن الطريق إلى الجنة سينقطع عنهم ما لم يخضبوا أيديهم بالدماء الزكية ويثيروا الرعب في نفوس المواطنين.
تعمل الجماعات المتطرفة بكل الوسائل كي تجعل البسطاء والمراهقين، والعاطلين عن العمل وغيرهم، معطلين ذهنياً، يتشرّبون أفكارها ويؤمنون بها كحقيقة مطلقة، إلى درجة إنهم يتبرمجون بها وتصبح المتحكّم الوحيد بهم وبسلوكياتهم، التي أثبتت لنا الأحداث إنهم لا يُفرّقون، بين طفل وامرأة ومُسن ومريض، ولعل الأحداث والجرائم التي تتوالى تباعاً في معظم المدن السورية، خير دليل على هذا الوباء الذي هو بحاجة ماسة لإستئصاله، وإعادة تأسيس عقول المتأثرين به وفق معطيات ومفاهيم علمية جديدة، تُحرّرهم من هذه الأفكار السيئة.
لا ننكر إنّنا نعيش عواصف ودوّامات ومؤامرات تحاول إستلابنا من إنسانيتنا وقيمنا وأفكارنا، ومن ثم تنميطنا وفق ثقافة أخرى، مختلفة، متخلّفة تتسم بالقتل والرعب و الطائفية والكراهية، أضف إلى ذلك إحالة الناس كافة إلى مجرد دُمى، لهذا التنظيم الإسلامي والتعامل معه كمجرد آداة لإنتاج الكوارث التي تنمي كل أشكال وصور النزاعات المختلفة، لكنّ هذا لا ينسجم مع تاريخ الكفاح البشري، لأن الإنسان منذ مراحله الأولى يعيش على الإرادة وخوض أشرس وأشرف المعارك الداخلية والخارجية مع اليأس وغيره من التهديدات التي يرى فيها خطراً على وجوده وثوابته، وفي النهاية ينتصر ويستمر في تعمير الأرض، ولعل الضربات الساحقة التي تقوم بها كل يوم وحدات جيشنا ضد عناصر الشرّ والإرهاب وإحباط مخططاتها القبيحة، دليل واضح على ذلك.
من غير المنطقي أن يتحول وطننا الكبير "سورية"  من واحة حب إلى ساحة حرب، من خميلة إيمان إلى جمرة أحزان، ومن غير المبرر والمعقول أن تسيل الدماء ويفقد الناس شعورهم و يتنكر البعض للوطن وينساقوا وراء الفتن،  لمصلحة مجموعة من الأشخاص لا تهمهم الإ مصالحهم، في إطار ذلك من غير المبالغة القول إن سورية دون إصطفاف وطني ومصالحة حقيقية - تذهب إلى عنوان مجهول، يصعب أن نتجاوز أو نغفل هواجسه و احتمالاته المُرعبة على بلادنا.
لسنا متشائمين أبداً، ولن نكون كذلك، غير أنّ هناك شيئاً اسمه المصارحة والشفافية في الطرح والتي تحتّم علينا - بناءً على معطيات الواقع - الإعتراف أن هناك الكثير من المخاطر التي ينبغي على كافة الأطراف المتصارعة  مواجهتها بوعي ومسؤولية وتجرُّد من كل الأحقاد والأمراض والتراكمات من أجل البلد وأطفاله ومستقبل أجياله، وفي هذا السياق نعتقد أن خطاب رئيس الجمهورية عشية القسم قد اكتسب أهمية استثنائية، ولعلّ هذا ما جعل المجتمع السوري والإقليمي  يسارعون إلى دعمه والثّناء على مضمونه، وخاصّة ما اشتمله من دعوة صريحة إلى مختلف المكوّنات السياسية والشرائح الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني للاصطفاف الوطني والمصالحة الشاملة الّتي لا يُستثنى منها أحد، وجاءت هذه الدعوة نتيجة لإدراكه وإحساسه العميق بخطورة المرحلة، وما تتطلّبه من إجراءات ومعالجات سريعة وعملية من الجميع، وأوّلها تقديم تنازلات من مختلف القوى والأطراف تُسند وتُواكب وتُنجح تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وقبل هذا وبعده، ليس من المنطق والحكمة أن يقرّر البعض أن يكون مصير أكثر من (24) مليون إنسان متوقفاًً على حالته النفسية ومزاجه أو مزاج ومصالح مجموعات صغيرة من المنتفعين وأصحاب الإمبراطوريات المالية والفتوى وغيرها من الوسائل والإمكانات التي تُغري بعضهم إلى الاستمرار في عنادهم ومقامرتهم ورغباتهم في الانتقام من الآخر على حساب وطن بكامله ومستقبل أجيال وأمّة بحالها، ومن هذا المنطلق
دعونا من الخصومة التي لا طائل منها، الوطن يعاني على مختلف الجوانب والأصعدة الإقتصادية والسياسية والأمنية، الإرهاب ينهش كل يوم في جسد الشعب ومؤسساته ومنشآته ودماء أبنائه من الجيش والمدنيين، وأعداد الفقراء والجوع يتزايد ليشمل العديد من المناطق المختلفة.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن الفرصة لا تزال مناسبة لتلافي الموقف وإستدراكه وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى الضيقة، والوقوف صفاً واحداً لحل جميع مشكلات الوطن وتضميد جراحه، والقضاء على أسباب وبؤر الصراع الناشئة وحمايته من الأخطار المحيطة، ومن المؤامرات الداخلية والخارجية، وفي النهاية أقول كسوري خذوا حذركم إنهم يقودون سورية إلى الجحيم، ويعملون على زرع الطائفية الخبيثة، وإشعال عود ثقاب الصراعات المذهبية التي إذا ما سمحنا لها فلن تُبقي ولن تذر، وسوف تُحرق الشجر والحجر والإنسان.
وعلينا ألا ننسى أن سورية ظلّت طوال السنوات الماضية منسجمة ومتعايشة عقائدياً وبعيدة كل البعد عن الصراعات الطائفية وسمومها القاتلة.
Khaym1979@yahoo.com