Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 00:45:44
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
تناسق السياسات المالية و النقدية في اطارها النظري .. بقلم: د.ياسر المشعل
دام برس : دام برس | تناسق السياسات المالية و النقدية في اطارها النظري .. بقلم: د.ياسر المشعل

دام برس:

شهدت العلاقة بين البنوك المركزية والسلطات السياسية تراوحاً بين التدخل السافر والحرية شبه المطلقة خلال القرنين الماضيين. ففي القرن التاسع عشر، تجلى استقلال البنوك المركزية في أوروبا نتيجة بانتشار أفكار الحرية الاقتصادية وكانت قاعدة الذهب هي القاعدة المطبقة. ولكن، استدعى تلاحق الأزمات الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى تدخل الحكومات في أنشطة البنوك المركزية، ثم ما لبثت أن استعادت البنوك المركزية قدراً من استقلالها مرة أخرى بعد استقرار الأوضاع الاقتصادية، ولكن ما تلي الحرب العالمية الثانية من ترويج لوجهة النظر الكينزية المحبذة لتدخل الدولة نال بعض الشئ من استقلال البنوك المركزية، ثم ما لبث أن أدى التحول إلى قوى السوق، إلى تعالي النداءات الداعية إلى جعل البنوك المركزية مستقلة عن الجهاز الحكومي في اتخاذ القرار. هذا التذبذب في علاقة البنك المركزي بالحكومات يستدعي استعراض الأسباب الداعية إلى ضرورة التنسيق بين السياستين المالية والنقدية
وتتضح أهمية التنسيق بين السياستين المالية والنقدية نتيجة للتطورات الحديثة في وظائف البنوك المركزية وفي طبيعة العلاقة بين السلطات السياسية من جانب والبنوك المركزية من جانب آخر، حيث أصبح هناك اتجاهاً نحو الفصل بين دور البنك المركزي في رسم وتنفيذ السياسة النقدية وبين دوره كوكيل ومستشار مالي للحكومة، وأيضاً نحو الحد من الاقتراض الحكومي المباشر من البنك المركزي لتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة من خلال توفير بدائل أخرى لتمويل ذلك العجز وتطوير سوق لتداول الأوراق المالية الحكومية، وهو ما يرتبط بدوره مع ضرورة تطوير أسواق المال المحلية واستخدام أدوات في إدارة السياسة النقدية تستند إلى آليات السوق.
تتعدد صور تأثير التغيرات في السياسة المالية على السياسة النقدية، حيث تؤثر تأثيراً مباشراً على قدرة البنك المركزي في تحقيق هدف الاستقرار في الأسعار كهدف رئيسي للسياسة النقدية. وترتبط تلك الآثار المترتبة على السياسة المالية بقيد الموازنة الحكومية التالي:
العجز السنوي بالموازنة = صافي الإصدارات من السندات إلى جهات غير البنك المركزي+ الائتمان المقدم من قبِل البنك المركزي إلى الحكومة.

أهمية هذا القيد تتجلى في إسهامه في إبراز الدور الذي تلعبه كل من السياستين المالية والنقدية في تحقيق هدف الاستقرار في الأسعار، حيث يؤكد هذا القيد على أنه لا يمكن للسياسة النقدية أن تمارس دورها في السيطرة على التضخم بشكلٍ منفرد ومن الضروري أن تعمل السياسة المالية على مساندتها. يشير هذا القيد إلى أن التغير في عجز الموازنة العامة لابد وأن يؤدي بالضرورة إلى تغير في حجم السندات الحكومية المدرة للعائد او تغير في القاعدة النقدية. وإذا كانت الحكومة تتمكن بسهولة من الاعتماد على أسوق الائتمان فلا توجد ضرورة للربط بين حجم العجز المالي وخلق النقود وذلك لأن التغير في عجز الموازنة يمكن تمويله من خلال إصدار السندات الحكومية. ومن ناحية أخرى، بالنسبة للحكومات التي تعتمد بالأساس على خلق النقود لتمويل جزء كبير من النفقات الحكومية، أو تلك التي لا تتمتع بسهولة الوصول إلى أسوق الائتمان، فإن الحد من عجز الموازنة العامة سيؤثر بدرجة كبيرة على الحد من خلق النقود، وبالتالي يمتد الأثر الإيجابي إلى تحقيق الاستقرار في الأسعار. ولذلك، فإن الحد من عجز الموازنة يعد بمثابة خطوة أساسية نحو تخفيض النمو النقدي ومعدل التضخم في عديد من الدول النامية والدول التي تمر بمرحلة التحول نحو اقتصاديات السوق. وعلى الرغم من كون التضخم ظاهرة نقدية إلا أن عجز الموازنة العامة يعد من المحددات الرئيسية للتضخم في الأجل الطويل، وذلك من خلال قناة ريع الإصدار.
العوامل الاساسية التي تؤدي إلى الاعتماد على خلق النقود كمصدر وحيد لتمويل العجز المالي هي عدم تطور الأسواق المالية وعدم تمتع البنك لمركزي بالاستقلالية  وعدم توافر آلية ذات كفاءة لتجميع لضرائب. وعلى نقيض ذلك، يؤدي تطور الأسواق المالية وإضفاء الاستقلالية على البنك المركزي إلى توافر مصادر غير تضخمية لتمويل العجز المالي.
يتعلق تأثير إدارة الدين العام على السياسة النقدية بالنقاط التالية:
تؤثر استراتيجية إدارة الدين الحكومي على أداء السياسة النقدية، حيث تمثل قيداً على الاستقلال الفعلي للبنك المركزي. كما تؤثر وسائل إدارة الدين العام على أسعار الفائدة. وتعقد العمليات المالية الحكومية من مهمة البنك المركزي في السيطرة على الإجماليات النقدية. وإذا اتسم معدل الزيادة في الدين العام بعدم القابلية لتحمل أعبائه فإن مصداقية السياسة النقدية ستتأثر بالسلب وترتفع أسعار الفائدة. وفي حالة الدول التي تسمح بتحركات رؤوس الأموال، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي بدوره إلى تدفق رؤوس الأموال من الخارج، وما ينشأ عنه من ضرورة اتخاذ اجراءات لتعقيم أثر تلك التدفقات من قبل البنك المركزي وهو الذي يؤدي إلى تعقيد الإدارة النقدية.
يؤثر ارتفاع الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بالسلب على مصداقية وفعالية السياسة النقدية إذ ينطوي على مخاطر تتمثل في اكتساب هذا العجز الصفة النقدية أو تنقيد ذلك  العجز في المستقبل وهو ما يعد بمثابة مؤشرٍ على ضعف أداء السياسة المالية وإذا ما تفاقمت مشكلة الدين يتمثل الحل الملائم في ضرورة إجراء إصلاح مالي، وهو الأمر الذي من شأنه حصار العجز في الموازنة العامة من خلال تعدد مصادر تمويل ذلك العجز، حيث يتم تمويله من خلال الأسواق المالية عوضاً عن الاقتراض المباشر من البنك المركزي والذي ينجم عنه آثار تضخمية.
يكون لارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تأثيراً سلبياً على النشاط الاقتصادي، حيث يدفع الحكومة إلى رفع الضرائب لتمويله، كما يؤدي إلى تزايد الضغوط لرفع معدلات الفائدة الحقيقة ومزاحمة الحكومة للاستثمار الخاص. وعندما تصل الحكومة إلى وضع يتعذر معه تمويل العجز المالي، يتوجب عليها في تلك الحالة ترشيد الإنفاق أو زيادة الإيرادات، في حين كان على السياسة المالية أن تمارس دوراً فاعلاً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي تحول دورها إلى مسايرة التقلبات الاقتصادية الدورية وليس لمواجهة تلك التقلبات.
تؤثر إدارة الدين العام على الطلب على النقود من خلال عدة طرق حيث تؤدي زيادة الاحتفاظ بالأوراق المالية الحكومية إلى تحقق أثر الثروة وبالتالي زيادة الطلب على الأرصدة النقدية الحقيقية، كذلك تُعد الأوراق المالية الحكومية التي يسهل تسييلها بديلاً للأرصدة النقدية مما يخفض من الطلب على تلك الأرصدة، وإذا ما اتسم الدين الحكومي بعدم القابلية للاستدامة، فقد تؤدي التوقعات بحدوث تضخم إلى انخفاض الطلب على النقود.
بالجهة المقابلة, يؤثر تطبيق السياسة النقدية والترتيبات المؤسسية المرتبطة بها على السياسة المالية. فعلى سبيل المثال، يساهم تبني نظم سعر الصرف الثابتة في الحد من العجز المالي الضخم والمستمر، وعدم الاعتماد على ضريبة التضخم لتمويل هذا العجز الأمر الذي يسهم في تحقق الانضباط المالي.
أن السمة الغالبة في العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، تتمثل في تحمل السياسة النقدية أعباء تحقيق معدل تضخم مستقر ودفع أداء الاقتصاد الكلي في الأجل القصير، وبالرغم من أن الهدف الرئيسي للسياسة النقدية في تلك الحالة هو السيطرة على الاتجاهات التضخمية والمساهمة في تحقيق الاستقرار المالي، قد نجد للإجراءات النقدية آثاراً توسعية على عجز الموازنة العامة في الاجل القصير من خلال عدة قنوات:
 قناة الانفاق: قد يواجه الاقتصاد مرحلة ركود كنتيجة لإجراءات السياسة النقدية التقييدية ومعدلات الفائدة المرتفعة والتي قد يترتب عليها استجابة الحكومة من خلال زيادة عجز الموازنة. وقد يعوِض ذلك الأثر ارتباط الاستثمار العام ومعدلات الفائدة بعلاقة عكسية.
 قناة الايرادات:  تؤدي اجراءات السياسة النقدية التقييدية إلى تباطؤ معدل النمو الاقتصادي وانخفاض الدخل القومي في الأجل القصير. وبالتالي تنخفض العوائد الضريبية وهو ما يؤدي إلى ارتفاع عجز الموازنة، كذلك فإن انخفاض معدل النمو الاقتصادي سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج القومي الإجمالي.
 قناة الدين: يترتب على السياسة النقدية التقييدية معدلات مرتفعة لأسعار الفائدة الاسمية قصيرة الأجل والتي تؤثر بدورها على المعدلات متوسطة وطويلة الأجل، ولذا فإن أعباء خدمة حجم ثابت من الدين العام سترتفع، وقد تؤدي تلك التكاليف إلى ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة. وللتقييم الكامل لذلك الأثر، لابد من الأخذ بعين الاعتبار أثر قرارات البنك المركزي فيما يتعلق بالتضخم على معدلات الفائدة. حيث اتجهت عديد من البنوك المركزية مؤخراً إلى استخدام معدلات الفائدة كأداة لتحقيق معدل التضخم المستهدف.
 اثر ريع الاصدار: تخفيض معدل التوسع  النقدي من خلال عمليات السوق المفتوح- مع افتراض ثبات عجز الموازنة- سوف يؤدي إلى زيادة الدين وبالتالي إلى زيادة عجز الموازنة في الفترات اللاحقة.
 اثر الاسعار:  حيث يرتبط معدل التضخم عكسيا بمعدلات الفائدة وطردياً مع كمية النقود. وينشأ هذا الأثر نتيجة للتعبير عن عجز الموازنة باستخدام متغيرات حقيقية حيث يعكس انخفاض الأسعار أو انخفاض معدلات التضخم ارتفاع القيمة الحقيقية للدين العام .
لابد من التعرض اخيرا  إلى ماهية التنسيق بين السياستين المالية والنقدية حيث يشير مفهوم التنسيق بين السياستين إلى التفهم المشترك من قبل القائمين على إدارة الدين العام، والسلطتين المالية والنقدية لأهداف تلك السياسات وذلك في ضوء التأثير المتبادل لأدواتها المختلفة، وأن يقوم القائمون على إدارة الدين العام بتقديم رؤيتهم حول التكاليف والمخاطر التي تتلازم مع المتطلبات التمويلية للحكومة وحجم الدين العام، والعمل على الفصل بين إدارة الدين وأهداف السياسة النقدية وإرساء مبدأ المساءلة عند تحقق التطور المالي، وتبادل المعلومات بين السلطات النقدية والمالية، والقائمين على إدارة الدين حول احتياجات الحكومة الحالية والمستقبلية من السيولة
ينصرف مفهوم التنسيق بين السياستين المالية والنقدية إلى التدابير التي تضمن أن القرارات التي يتم اتخاذها من قبل صانعي القرار بإحدى السياستين لا يترتب عليها آثاراً غير مباشرة وغير مرجوة على السياسة الأخرى ، أن أفضل صور التنسيق على الإطلاق هي تلك التي تنطوي على اشتراك صانعي القرار بكلٍ من السياستين في تحديد أهدافهم، الأمر الذي يؤدي إلى تعظيم النتائج المحققة من السياستين معاً.
فمما لاشك فيه أن تفويض السياسة النقدية إلى سلطة نقدية تتمتع باستقلالها عن السلطات السياسية يسهم في الحد من الميل التضخمي للسياسة النقدية، والذي يتلازم مع تعدد أهداف تلك السياسة. ولكن، قد يكون لهذا التفويض تكاليف يتمثل أهمها في غياب التنسيق بين السياستين المالية والنقدية. لذا، تظهر الحجة المؤكدة لضرورة التنسيق بين السياستين حيث تدعم من قدرة الاقتصاد في مواجهة الصدمات غير المتوقعة مقارنة بغياب ذلك التنسيق. والواقع أن السياسة الاقتصادية تحتاج إلى توازن دقيق وتناغم كبير بين السياسة المالية والسياسة النقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتجنب العجز في الموازنة العامة وآثاره السيئة مع تحقيق معدل توظف ونمو اقتصادي معقول، كما أن الإصلاح المالي يقتضي العودة من جديد إلى مبدأ وحدة الموازنة وعموميتها. وبالتالي، يعد تركيز الانتباه على فعالية سياسة واحدة ولتكن السياسة النقدية والنظر إلى السياسة الأخرى ولتكن السياسة المالية على أساس أنها غير فعالة- أمر يبعد عن العقلانية- ذلك لأن السياستين تعد ضروريتان حتى تدعم كلٌ منهما الأخرى، أي أنه من الأفضل للاستفادة بالمزايا النسبية للسياستين أن نحاول تحديد توليفة منهما والتي سوف تكون أكثر فعالية فيما يتعلق بتحقيق أهداف سياسة معينة معطاة- في ظل ظروف محددة- بدلاً من البحث عن تحديد قاعدة عامة كلية فيما يتعلق بماهية السياسة الأكثر فعالية بصفة عامة. بمعنى آخر- ليس من المهم أن نصل إلى تحديد أي من السياستين أكثر أهمية من الأخرى وإنما يمكن أن نختار التوليفة المناسبة منهما سوياً. وهنا ينبغي أن نشير إلى المبدأ الخاص بتنبرجن والذي وفقاً له كل سياسة اقتصادية تتسلح " بأدوات مساوية للأهداف"- أي أنه بقدر ما لدينا من أهداف بقدر ما ينبغي أن يكون لدينا من أدوات لتحقيق هذه الأهداف،  كما حدد الخطوات اللازمة لصياغة سياسة اقتصادية مثلى وتتمثل هذه الخطوات فيما يلي:
 يجب على صانعي السياسة الاقتصادية تحديد الأهداف التي يرغبون في تحقيقها في صورة دالة رفاهية اجتماعية، والعمل على تعظيم تلك الدالة.
 لابد أن يحدد صانعو السياسة الاقتصادية الأدوات المتاحة لتحقيق تلك الأهداف.
 أن يضع صانعو السياسة نموذجاً يربط بين الأدوات والأهداف، حيث يستخدم ذلك النموذج في اختيار القيم المثلى لأدوات السياسة الاقتصادية
من المهم  اذا التركيز على أهمية التنسيق بين السياسات الاقتصادية من أجل التوصل إلى استقرار اقتصادي تتجلى مظاهره في استمرار تحقيق لمعدلات نمو اقتصادي تواجهه التزايد المستمر في عدد السكان،  وفى إيجاد فرص عمل لاستيعاب البطالة التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن الاقتصادي، وكذلك في أستقرر للمستوى العام للأسعار بما يحفظ للنقود قوتها الشرائية في الداخل والخارج. والاستقرار الاقتصادي بهذا المعنى لا يعتبر فقط هدفاً لمنظومة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وإنما يعتبر أيضاً في ذاته منظومة متعددة العناصر متشابكة الأبعاد ومتنوعة الأنشطة.

الوسوم (Tags)

الأسعار   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   للأسف
تحليل رائع في قصوره الآن بدأت أفهم كيف تسير الأمور إلى الوراء
حايك  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz