دام برس - قصي المحمد:
سورية بلد التّاريخ ... تسكنها عروسة جميلة قاومت العابرين المعتدين ...  جلّق الفيحاء "دمشق" مدينة النور ... كتب عنها الكثيرون وما زلنا نكتب ونقرأ ... كلما قرأنا عنها نكتشف المزيد ... مازالت متألّقة بصرها الشامخ ، بتاريخها العريق الذي ينير طريق بلاد الشام الحبيبة ... مدينة أعطاها أجدادنا الأولوية ونحن اليوم الأحفاد نسير نهجاً واحداً على ما رسموه ... مهمّتنا نضيء على ذلك التاريخ بكل ما نستطيع، وهذا ليس خيراً منّا، بل واجباً علينا ... هي مهمة إنسانية وعالمية لنا بعد أن اعتبر التاريخ دمشق مدينة التراث العربي الأصيل.
من تراثها نبدأ بخان أسعد باشا هو جزء من ذلك التاريخ وشاهداً على تلك المعالم، على ذلك التاريخ الكبير، حيث كان لتلك الأماكن الأثرية أهمّية اقتصادية كبيرة ومركزاً لتجمّع العرب والسوريون والتجار من كل أنحاء العالم من الشرق الى الغرب، وذلك من أبعد العصور منذ الأيوبيين الى المماليك، لتبلغ أوج الازدهار في زمن الاحتلال العثماني، ورغم الاحتلال بقيت شامخة بتراثها ، شاهدنا الأقوى اليوم بناء أنشأ بأروع فنون التصميم والبناء ...

ولتوضيح أكثر التقت "دام برس" مع مدير خان أسعد باشا الأستاذ عبد الوهاب ابو صالح حدثنا بشكل أكبر ومفصل أكثر عن تاريخ هذا البناء العظيم الذي يعتبر اليوم من المراكز التاريخية محطً للآلاف من الزائرين:
بدأ الأستاذ عبد الوهاب ابو صالح الحديث عن خان أسعد باشا من الاسم وتاريخ التأسيس حيث قال: "كلمة خان هي مشتقّة من الفارسية وتعني الفندق، والفندق هو مكان للاستراحة للمسافرين، حيث يقع هذا الخان جنوب شرق الجامع الأموي في وسط السوق الدمشقي المعروف "سوق البزورية" في قلب العاصمة دمشق، وتبلغ مساحة هذا الخان ما يقارب /2500 مترا مربع/، حيث بني هذا الخان في عهد الوالي العثماني أسعد باشا العظم الذي حكم دمشق في الفترة الممتدّة ما بين (1747م – 1756م)، حيث خلال هذه الفترة تم بناء خان أسعد باشا وأخذ تسميته نسبة الى هذا الوالي، وأصبح الخان مركزاً لتجمع التجار والمسافرين الى الشرق والعائدين منه ، وكما أعتبر سوقاً تجارياً لتبادل البضائع بساحة الواسعة.

وتابع الحديث: "الخان له باب رئيسي واحد كبير جداً مصنوع من الخشب المصفح بالحديد مع زخرفة مسمارية، حيث يبلغ طوله ما يقارب الأربعة أمتار، وهو عبارة عن مصراعين كبيرين، على الشق اليميني منه هناك باب صغير يسمى "باب خوخة"، وفي أعلى الباب هناك نقطة صغيرة مزخرفة كانت تحوي ياقوته جميلة وأثرية حيث حدث زلزال قديماً في تلك الفترة أدى إلى فقدانها ويقال أنّه لو كانت هذه الياقوتة موجودة لكان ثمنها كاف لإعادة بناء الخان مرة ثانية.
"وعن السقف المميز، هو عبارة عن ثمان قباب كبيرة تتوسطها فتحة سماوية كبيرة، كل قبة يبلغ قطرها /8 أمتار/، وبارتفاع 2.5 متر، كما للخان أربعة أعمدة رئيسة وضخمة تدور البحرة التي تتوسط باحة الخان، وفي عام /1759 م/ حدث زلزال دمشق الشهير الذي أدى إلى هدم قبتين منها حيث تم ترميمها بشكل دقيق جداً ملائم مع الزخرفة القديمة للخان وذلك في ثمانينيات القرن العشرين عندما وضعت المديرية العامة للمتاحف يدها على الخان، وكما ترون هناك طابقين للخان يضمان /84  غرفة/، الطابق الأرضي: هو عبارة عن مجموعة غرف بلغ عددها /  غرفة40/، كانت تستخدم كمستودعات للبضاعة، وبعضها مكاتب للتجار، أما الطابق العلوي يضم /44 غرفة/، ومن بينها غرفة "الخانجي" يمكن أن نقول رئيس الخان، وميّزت هذه الغرفة بتصميم يعطيها العلو عن باقي الغرف بالصعود إليها من خلال عدّة درجات.
وعن تصميم هذه الغرف وعن مضمون المواد المستخدمة في بناء الخان بيّن أبو صالح ذلك بالقول:

"إنها متشابها الى حداً ما بكل تصميماتها  وهي على شكل بسيط، حيث يتراوح أبعاد الغرفة الواحدة بطول /6 أمتار/ وعرض /3 أمتار/ ، " الحجر المستخدم في بناء الخان هو من البازلتي الأسود والكلسي الأبيض، كما أنّ أرضية الخان هي مغطاة بالحجر الكلسي الأسود،  وأخذ التصميم منظر جميل جداً وهو التناظر بين اللونين الأبيض والأسود ليعطيه صورة جمالية كبيرة جداً، والأبواب والأخشاب هي مصنوعة من أجود أنواع الخشب الرومي القديم المزخرف برسومات وأشكال هندسية، وبدرز المسامير لتعطيها طابعاً فنياً رائعاً.
الخان زاره الكثيرين ووصفه العديد من الشعراء والرحالة من دولة العالم حيث من أحد المصادر الحافظة لتاريخ الخان حصلت دام برس على وصف قديم للشاعر الفرنسي "لامارتين" الذي زار دمشق عام 1833م حيث قال مبتهجاً: "في وسط سوق دمشق أجد الخان الأكثر جمالاً، خان أسعد باشا،  وهو عبارة عن قبة ضخمها قوسها الجريء يشابه ذلك الموجود في كنيسة "سان بيير" في روما، وهذه القبة محمولة على أعمدة متناظرة من الغرانيت (بازلت وكلس)،  خلف هذه الأعمدة تتوضّع المحلات والأدراج التي تقودنا الى الطوابق العليا،  حيث توجد غرف التجار ، كل تاجر مرموق يستأجر واحداً من هذه الغرف  ويضع فيها بضائعه الثمينة وسجلاته، الحراس يسهرون  ليلاً ونهاراً على أمن الخان".
اليوم يعتبر خان اسعد باشا مركزاً لإقامة المهرجانات والفعاليات، حيث اقيم فيه العديد من الفعاليات مثلاً:
1- مهرجان الثقافة والفن المقاوم تحت شعار "مقاومون"، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الإمام الخميني ( قدس سره ) مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
2- أقامت منظمة طلائع البعث فعالية " نغني ونرسم للوطن".
3- إقامة المؤتمر الدولي للشباب السوري.
4- إقامة عرض أزياء للفنانة منال عجاج مع روز عربجي.