دام برس _ محمد قاسم الساس
في زمن "الكل بدو يغني" يصدح صوته القوي والشجي ضمن أعمالٍ التقى فيها الصوت واللحن والكلمة والأداء. فنانٌ مثقفٌ وأكاديمي وواثق الخطوة يمشي ملكاً. قلبه ينبض حباً ويعمل جاهداً لتقديم خطٍ فني لا يدرك أهميته إلا من يتمتع بأذنٍ موسيقيةٍ نظيفة. ما بين الصراحة، النقد، الشغب، الجرأة والعفوية حاورته في أدق الأمور الفنية والشخصية فكشف لنا تفاصيل ألبوماته المقبلة كما وتحدثنا عن آخر نجاحاته حيث باح لنا بالكثير عن منهجه في الحياة وكذلك الأمنيات. ضيفي وبكل فخر هو التينور اللبناني " غبريال عبد النور " والذي يحلُّ مجدداً ضيفاً غالياً عليّ.
1_ أطلقت مؤخراً أغنيتك الجديدة (قيس العشقان) من كلمات الشاعر الكبير الياس ناصر على لحن عالمي وهي من أبرز ما غنّاه لوتشيانو بافاروتي ولقد أديتها على نفس الطبقة وجعلتنا نحلق معك عالياً، لماذا وقع اختيارك على هذه المقطوعة بالتحديد؟ وهل وراء غنائك على نفس الطبقة رسالة تود إيصالها؟
المقطوعة من أرقى الأعمال الفنيّة العالمية تأليف بوتشيني وهي من أهم ما كُتب موسيقياً لصوت تينور. في القطعة الموسيقية تجد جواب لجوابات النوطات على أحرف مد وهذا موضوع يتطلب تقنيةً صوتيةً عاليةً جداً وخبرة في الغناء، خاصةً أنني غنيتها باللهجة اللبنانية من دون التطرق مئة في المئة للتقنية الأوبرالية العالمية التي قد تشوّه الأحرف العربية. طبعاً لدي رسالة من خلال هذا العمل وتتلخص بتوظيف الأغنية العالمية في أعمالنا العربية من دون أن تكون هجينة وغريبة عن أذاننا.
2_ في الأغنية تتجاوز فيها عشق قيس بوصفك لحالة الحب التي تغنيها، فهل يكون حالك مماثلاً عندما تعشق وتشتعل ناراً من جراء الحب؟
جداً... عندما قررت غناء هذا العمل، طلبت من الشاعر الكبير الياس ناصر كتابة الكلمات، وبحرفية تامة قدّم لي نصاً عميقاً جداً لكنني اعتذرت عن غنائه لأنني اعتبرت أن الكلمات تناسب أكثر شخصاً أكبر مني بالسن والخبرة في الحياة ولم أجد أنني استطيع اقناع الناس بمضمون الأغنية الوجودي. فكان جواب الأستاذ الياس "احترمك كثيراً لصدقك" وكتب (قيس العشقان) الذي يقول فيها: "متلو أنا نار، أنا يا حبي مجنون أفكار، أنا يا عيني وريث كبار، بصون بقلبي الأسرار وبغار بغار..." وهنا شعرت أن العمل كتب بلساني لأنني إنسانٌ ناري رغم أنني انشد الصمت والسكينة دائماً لكنني مشتعل من الداخل بشكل كبير.
لا أستطيع أن أعيش من دون حب. فالآخر أساسي خاصة في حياتي الفنية. الفنان بحاجة دائمة لشعلة الحب والعلاقات الإيجابية أيضاً. وأشكر ربي أنني محظوظ بأشخاص إيجابيين وهم اساسيون في مسيرتي الفنية وأعتبرهم عائلتي الحقيقية لأنهم يحبونني بصدق ويتابعون أعمالي الفنية ويشجعونني بكل فرصة وأنا حريص على المحافظة على دورهم الإيجابي في حياتي.
3_ هل سيتبع طرحك لهذه الأغنية أغنيات أخرى ألحانها عالمية لتغنيها باللغة العربية؟
نعم وهذا سيكون مضمون ألبومي القادم من كلمات الياس ناصر وانتهينا من تسجيل ثلاثة أعمال.
4_ أعلم بأنك تريد خوض تجربة الغناء الصوفي كما وهنالك فكرة لأمسية غنائية قريبة، فهل بدأت بالتحضيرات؟
نعم، نحن في صلب ورشة العمل. هناك استنفارٌ كبيرٌ حالياً وعملٌ متواصل لإنهاء التحضيرات المتعلقة بأمسية غنائية من كلمات الشاعرة سحر حيدر وسيتضمن قراءات شعرية مسرحية لي ولسحر بالإضافة لغنائي وتلحيني لعدة أغنيات بالكامل وسيطلق في لبنان في 29 آيار – مايو ضمن ليلة يغلب عليها الطابع المسرحي غناءً وإلقاءً ويتولى الإشراف المسرحي محترفون في مجالات التمثيل والإخراج.
أما بالنسبة للألبوم الصوفي فقد اخترت جميع نصوصه وسأطرحه بعد ألبوم الياس ناصر.
5_ لماذا تركته للآخر؟
لأنني أريد أن أقدّم فيه نضوجاً مختلفاً. التجربة الصوفية ليست مرتبطة فقط بصوت جميل أو تقنية عالية أو مشروع موسيقي واختيار نصوص جميلة فقط، بل هي تجربة انسانية يجب أن ابلورها لكي أكون صادقاً في أدائي.
6_ هل يحق للتينور ما لا يحق لغيره حتى خرجت عن صمتك وقيّمت علناً العديد من الأصوات الراحلة والمعاصرة على الساحة الغنائية في احد اللقاءات الذي أجريته في إحدى المجلات الفنية البارزة؟
يحق لي ليس فقط لأني تينور، فيوجد متخصصون في الغتاء الأوبرالي غيري ولكن أنا متخصص أيضاً في الغناء الشرقي وعملتُ لسنواتٍ عديدة على كيفية توظيف وتطويع التقنية العالمية في الغناء الشرقي. عملتُ على التجويد وحسن استعمال مخارج الحروف العربية. لحنت بالكامل ألبومي "قمر بيروت" ولحنّت أعمالاً أخرى في مناسبات مختلفة. درّبتُ أصواتاً عربية كبيرة على الغناء وأبدى أصحابها تقديراً كبيراً لخلفيتي الموسيقية العميقة. غنيتُ أصعب الأعمال الغنائية واستعملتُ في أغنياتي طبقات صوتية نادرة أديتها بطريقة مباشرة على المسرح وباحترافٍ عالٍ. قمت بأبحاث عديدة حول تاريخ الأغنية العربية من سيد درويش حتى الآن وقدمتها بسلسلة من الحلقات عبر صوت لبنان مع الإعلامي فادي أبي تامر. قدّمت برنامجاً موسيقياً ثقافياً لمدة سنتين على قناة المرأة العربية تطرقت من خلاله إلى أهم الأصوات العربية بالإضافة لتشريح معظم الآلات الموسيقية.
7_ في المقابل وبكل صراحة، من يحق له تقييم صوتك وأدائك؟ وهل تتقبل ذلك؟
انتقد نفسي بشكل لاذع ولا اعتبر نفسي كاملاً. لكن أعرف تماماً أن صوتي وأدائي لم يأتيا من فراغ. صوتي جميل صح ولكن أنا اجتهدتُ على أن أقدّمه بالصورة التي احب وهذا لم أكن أشعر به في بداياتي إذ كان صوتي ثمرة التقنيات التي تعلمتها من الأساتذة الذين دربوني على الغناء من لبنان والخارج. حالياً أنا على علاقة سلام وود مع ادائي وخامة صوتي وأعرف ماذا أريد. أتقبل النقد الموضوعي واستمع للملاحظات ولكافة الآراء الموضوعية. فتستطيع ان تقول لا أحب نمط اعمال غبريال أو لا أحب اختياراته لكن ليس من المنطق القول: "صوته بشع" أو "ما بيعرف يستعمل صوته" فهذا كلام غير منطقي.
من حسن حظي أنني تخصصت أيضاً في علم النفس فأصبحت متحصننا بقوة تجاه السلبيين. في المقابل حصلتُ على شهادات تقدير عالية من شخصيات في قمة الإحتراف. وأنا هنا أتكلم عن شهادات مصورة بالفيديو من كبار، أمثال الموسيقار الراحل شفيق ابو شقرا الذي قال في صوتي: "إن صوت غبريال عبد النور من أحب الأصوات إلى قلبي، فصوته شجي وقوي في آن واحد وهو من الأصوات النادرة" أما الموسيقار ايلي شويري فقال لي مراراً أن لا احد لديه امكانيات صوتي المسرحية وقد تأثر وبكى في إحدى الأمسيات عندما كنت أغني من ألبومي "جبران خليل جبران" مقطوعة "لكم لبنانكم و لي لبناني" من الحانه. أما المفكّر الكبير وهيب كيروز فقال: "أحب انحناءات صوتك وعافيته وقوته فهو يذكرني بصوت كلنا ربينا عليه في الشمال وهو نهر قاديشا الهادر". بالإضافة لشهادات قيّمة من فنانين وصحافيين وسياسيين وتبقى محبة الناس وتقديرهم لي في حفلاتي أكبر وسام.
8_ ما أكثر صوت يؤثر بك؟
أسمهان. بتعرف؟؟ اشكر ربي كل ما اسمع أسمهان وأقول كم كانت حياتي ناقصة لو لم أتغلّف بهذا الصوت.
خامة صوتها نادرة وفيه كل الإمكانيات الشرقية والأوبرالية. والأهم من ذلك أنها تغني بكل جوارحها وبتحرّرٍ مطلق. في كل لحظة اسمعها أعيش نفس الدهشة و أتغلّف بالشجن. هذه قيمة الفن الحقيقي.
وصيتي وهم يدخلون نعشي إلى القبر أن يضعوا المقطع الأول من "يا طيور" بصوت أسمهان... لا أريد نحيبا ولا أريد نشاز بعض المرنمين... أريد فقط صوت أسمهان.
9_ عن ماذا أسفر لقاؤك مع وزير الثقافة اللبناني أثناء زيارتك له مؤخراً؟
تشرفت بزيارة وزير الثقافة اللبناني غابي ليّون وقد لمست عمقاً في ثقافته الموسيقية وأهديته ألبوماتي "جبران خليل جبران" و "قمر بيروت" اللذين اعتبرهما معاليه ثروة موسيقية، كما ضمّ لأرشيف الوزارة 66 نسخة من ألبوماتي وكنت سعيداً جداً بهذه المبادرة الكريمة والمشجعة من قبله. أضع أمالاً كبيرة على شخص الوزير وأتمنى له دوام النجاح بمهامه، خدمةً لصورة لبنان الثقافية.
10_ ما الغاية من وراء إطلاقك موقع (قمر بيروت) الالكتروني مع بداية العام؟
موقع "قمر بيروت" يتناول كل جديد من السياسة إلى الفن مروراً بالثقافة والرياضة والطب والمجتمع والموضة وغيرها من اهتمامات كل فرد. وهدف الموقع يتجلى في تقديم الخبر بكل موضوعية وتجرد.
الموقع يحمل اسم ألبومي "قمر بيروت" وهو منطلق بطريقة لافتة بفضل رئيس تحريره الإعلامي والصديق الغالي فادي أبي تامر ومجموعة من الاختصاصيين في مختلف المجالات، والمراسلين المنتشرين في لبنان والخارج.
أنا مسؤول فقط عن الزاوية التي تحمل اسم "قمر بيروت"، حيث أردتُ من خلالها إيجاد فسحة فنية وثقافية أسبوعية أقيّم من خلالها ابرز الأعمال الموسيقية الراقية فقط لا غير.
11_ من يدعمك؟ وهل سيستطيع الموقع منافسة بقية المواقع اللبنانية والعربية؟
لا أحد يدعمنا خاصةً أننا لا نبغي أي دعم سياسي مرتبط بجهة سياسية معينة لكي نحافظ على موضوعية الموقع وهدفنا ليس منافسة مواقع أخرى بل السعي إلى التميّز بشكل مستديم ولغاية الآن الأصداء مشجعة جداً وصفحة الموقع على الفايسبوك تخطت ال 25000 في ظرف شهرين.
12_ بصفتك سفيراً فخرياً للكتيبة الغانّية العاملة ضمن قوات اليونيفيل في جنوب لبنان أحييت مؤخراً حفلاً في ذكرى استقلال غانا سبقه حفلٌ آخر مع الكتيبتين الهندية والاندونيسية، أليس كذلك؟
نعم كان لي أكثر من نشاط مع قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان. فأنا احترم وأقدر هذه المجموعات التي تساهم في السهر على أمن الجنوب ولمست بشكل مباشر النشاطات القيّمة التي يقومون بها والأعمال الإنمائية والخيرية وسكان الجنوب يحبونهم ويحضنونهم بشكل لافت.
13_ بصوتك تم افتتاح حفل الجامعة اللبنانية الأمريكية مؤخراً في وسط بيروت بحضور وجوه سياسية وإعلامية وفنية لبنانية رفيعة المستوى، ماذا تعني لك هذه المشاركة وهذا الحضور؟
يسعدني أن أكون اخترت لإفتتاح حفل الجامعة اللبنانية الأمريكية في البيال وسط بيروت ضمن حضور رسمي، اعلامي وفني كبير. فالجامعة اللبنانية الأمريكية تمثل صرحاً أكاديمياً عريقاً ورفيع المستوى وفي غاية الإحتراف. وهذه المشاركة شرّفتني وانتهزتها فرصة لأشكرهم على ثقتهم وعلى الشكر المعنوي الذين خصّوني به بعد انتهاء الحفل.
14_ لماذا تم اختيارك من دون سواك لافتتاح عرض فيلم (الناس دول) للمخرج السينمائي المصري محمد هشام في قصر الأونيسكو في بيروت وماذا عن تكريمك أيضاً مع الممثل المصري القدير محمود حميدة؟
افتتحت في قصر الأونيسكو عرض فيلم "الناس دول" وهو عبارة عن توثيق لأحداث الثورة المصرية. كما كُرّمت في الليلة التي سبقت مع الممثل الكبير محمود حميدة من قبل "نادي ليونز هرمس"، وجمعية العائلة اللبنانية وشركة "Desert Masterpiece Production" وكنت سعيداً جداً. أما لماذا اختاروني؟ فأعتقد لتقديرهم لخطي الموسيقي ومشاركاتي في الأعمال الرسمية والثقافية الكبيرة.
15_ في الوقت الذي أنشدت فيه أغنيتين لحلب وأحييت فيها خمس أمسيات نجدك مازلت غائباً عن الشام غناءً وتواجداً، ودار الأوبرا السورية لا تليق إلا باستضافة أمثالك، فما السبب؟
شكراً محمد على الثقة. الشام تعني لي الكثير كما كل سوريا. ومروري في دار الأوبرا السورية يهمني لأنني أعتبر هذا الصرح منبراً ثقافياً راقياً يشرفني تقديم اعمالي من خلاله ونحن بصدد العمل على هذا المشروع. لم أقدّم أعمالي الفنية في الشام ولكنني أزورها مراراً فلدي أصدقاء غالين جداً على قلبي في سوريا ومتابعين جيدين لأعمالي الفنية. أمنيتي الأولى والأخيرة هي أن تتخطى سوريا الحبيبة والغالية أزمتها ويعود إليها الإستقرار والسلام.
16_ صادف عيد ميلادك في الخامس والعشرين من آذار، فماذا يعني لك هذا التاريخ ؟
إنه عيد بشارة العذراء مريم من الملاك جبرائيل. فهي لحظة تاريخية في هذا الكون. والعيد يجمع المسيحية والإسلام وهذا أقصى ما يؤثر بي لأنني أشعر دائماً أنني مسيحي مثلما أنني مسلم والعكس صحيح. أشعر أنني "مفلوش على أد الكون كلّو" لأنني إنسان غير محدود في إطار واحد. نعم أنا إنسان كوني والأرض كلها وطني.
17_ ختاماً ما هي الأمنيات التي تتمنى تحقيقها في عامك الجديد؟
السلام في المنطقة العربية هو أقصى ما أتمناه. أما فنياً فأتمنى أن أجد دائماً الإطار المناسب لتقديم أعمالي وحلمي الموسيقي الكبير.
mohamadsass@yahoo.com
Facebook.com/ Mohamad k alsass