دام برس _ رانيا مشوِّح :
في كل مكانٍ نرفد العلوم و الحضارات و الحرف و الصناعات ، و لكن صناعة الحياة هوية لم يخط سطورها و لم يقو على احترافها إلا السوريين ، عاشوا المعاناة بجلّ تفاصيلها و سبروا أغوار الألم و العذاب ، لكن إرادتهم الحية و عزيمتهم الصلبة نهضت من بين الركام كماردٍ من نور يعلن إشراقة النهار على أرضٍ ذبُلت من عتمها ، الجريح السوري ، جريح الوطن ، لم يستسلم لما فرضته نظرية الحروب و آثر عليها بمفاهيم حرة لنظرية البقاء ، نسجوا من خيوط الجراح راية الإيمان ، كتبوا للغد أنصع تاريخ ، و عبّدوا طريق المستقبل بعنفوان القاسيون ، و لجرحانا ذاكرة تغص بالأوجاع و لهم ما يتفوق عليها من مستقبل يعبّق بالنجاحات.
محمد الصعيدي شابٌ قلب موازين مقولة ( حلم الجريح ) إلى مقولة (الجريح الحالم ) حيث حدثنا الصعيدي عن إصابته قائلاً : إصابتي هي شلل بالطرف الأيسر ، حيث أُصبت في حلب في الكلية الفنية في معركة اقتحام الكلية أثناء معركة تحرير حلب ، في ١٧/ ٨ / ٢٠١٦ . و عن مشروع المطبخ الذي أسسه الصعيدي قال : لأتمكن من الخروج من جو الإصابة و لكي أنساها ، قررت العمل و الخروج مرة أخرى للحياة ، و بمساعدة والدتي وزوجتي استطعت تعلم فن الطبخ ، مشروعي بدأته لتحسين وضعي المادي كوني مُعيل لعائلة مؤلفة من زوجة و ولدين ، و الهدف الأساسي لمشروعي هو تشغيل الجرحى و دفعهم للخروج لسوق العمل و هذا ما أسعى إليه في المستقبل .
و رغم توقعاته بفشل المشروع لم تنثني عزيمته فتابع الصعيدي قائلاً : توقعت الفشل ، لكن ما لم أتوقعه هو النجاح ، و هذا فضل من الله و أيضاً لأيادي بيضاء مُدت لي مثل سيدات سوريا الخير و الذين لازالوا داعمين لمشروعي و أن أصل لهذا المستوى . و تابع : لازال التوزيع منزلي و أخطط لمجال التوزيع بالجملة ، حيث أعتقد أن المشروع حقق نجاح بنسبة ال50%.
كما وجه الصعيدي رسالة للجرحى حيث قال : رسالتي لكل جريح هي عدم اليأس ، يجب أن لا يُسلم نفسه لحالته النفسية بل يجب أن يبحث عن كل ما يُحب و يحاول أن يُحدّثه و يطوره و يعمل قدر المستطاع على أن لا يفقد الأمل .
و عن نظرته للغد عبر الصعيدي قائلاً : أنظر للغد بأمنية أن تصبح سورية أفضل و معافاة بشكل كامل ، و أمنيتي الشخصية أن يصبح مطبخي مطبخ للجرحى و أنا على استعداد بأن أُرسل العمل له على منزله و يمكن لأفراد عائلته المساعدة أيضاً ، حتى لا يضطر لأن يمد يده لأحد ، وأضاف : أتمنى أيضاً أن أتلقى الاهتمام اللازم من الجهات الرسمية فهدفي هو أن يعمل بالمشروع العدد الأكبر من الأسر المحتاجة .
و إيمانٍ كامل و ثقة لا تنهزم تابع الجريح عيسى حسن مسيرة الحياة بإبتسامةٍ قهرت غُزاة الأمل حيث كلّمنا حسن عن إصابته قائلاً : إصابتي عبارة عن شلل سفلي ، حيث أُصبت بطلقة قناص بأحد الإشتباكات العنيفة في ريف اللاذقية الشمالي .
و عن قدرته على تخطي شبح اليأس قال حسن : اليأس كان موجود و بقوة ، خاصةً في أول عام من الإصابة بسبب التغيير المفاجئ من وضع لوضع آخر ، لكني فيما بعد قاومت هذا الشعور و أصبحت اتحداه بقوة الند للند .
على الرغم من إصابته انطلق حسن نحو المجال الرياضي و عن هذا قال : أول تجربة كانت دخول المجال الرياضي بعد معرفتي بمجموعة أشخاص شجعوني على هذا التحدي وشكّلنا سوياً مجموعة ( أبطال من تحت الركام ) فجميعنا جرحى مدنيين وعسكريين و قررنا أن نتحدى إصاباتنا.و أضاف : شاركت في بطولات لألعاب القوى وأحرزت المركز الأول بسنتين متتاليات ومركز أول بلعبة الريشة الطائرة السنة الفائتة ، هذا العام دخلت إلى الجامعة ( تعليم مفتوح _ قسم الترجمة ) .
و عن رسالته لمن قاسوا معاناته قال حسن : أتمنى من أي جريح أن لا يستسلم ولا يسمح لليأس أن يُسيطر عليه ، لأن الحياة لم تنتهي بعد و لازال هناك المزيد من الأمل.
قاوموا و لم يستسلموا في ميادين النار و تابعوا بإصرارهم اقتحام ميادين الحياة ليهِبوا للعالم البرد و السلام .