دام برس:

لم يكن السعي وراء العمل والوظيفة يوماً في سورية شيئاً كماليّاً يضاف إلى بريستيج الشخص ولم يكن أيضاً لسد وقت فراغ فقط .... وإنما لتأمين مستقبل ونتاج لدراسة تعليمية طويلة وتعب أعوام كثيرة وخاصة ما يتعلق بالوظيفة الحكومية .

ولكن العوز المادي وضيق العيش وقلة الفرص في القطاع الخاص هو ما يدفع الشباب الخريجين وغيرهم للبحث والتنقيب عن هذه الوظيفة الدائمة "الحلم" حتى وإن كانت أحياناً لا تتناسب مع تحصيلهم العلمي وفي أغلب الأحيان تخلص جهودهم بعقدٍ لثلاثة أشهر مذيّل بعبارة لمرة واحدة فقط بعد تبويس لحى وغيرها .

وقد صار العمل الثابت وحتى المؤقت عملة نادرة في ظل أزمة الأخلاق التي تمر بها البلاد ؛ مثله مثل البنزين والمازوت والغاز والكهرباء والأمان بل أكثر ، وخاصة بعد أن أظهرت الأزمة ما كان ضامراً من جشع وقلة أخلاق وقيم وضمير عند الكثير من التجار والمسؤولين ظهر فجأة على السطح مصحوباً بكل أشكال الابتزاز .

ما أريد الحديث عنه و الذي لا يمكن السكوت عليه هو حوادث الابتزاز الجنسي مقابل العمل الذي تتعرض له الفتيات في مقتبل العمر في بعض مفاصل الدولة من قبل أشخاص ضعاف نفوس لكنهم متنفذون ، هؤلاء يستغلون حالة  الفقر المدقع والحاجة العرناء التي أصابت الشريحة الأكبر من المجتمع نتيجة آثار الحرب الكارثية وضعف إدارة الأزمة وأخطاء القرارات ، الأمر الذي مهّد لبيئة خصبة للفساد الأخلاقي والمالي ونشّط الجريمة والسرقة والعمالة وحتى الخيانة وخاصةً أن أعداء الوطن يترصدون و ينتهزون هكذا فرص من خلال الأموال الطائلة التي يغدقونها لتخريب وهدم بنية مجتمعنا ولهذا حديث آخر .

فتيات كثيرات يروين حوادث تعرضن لها من قبل أشخاص تتعلق بالتحرش والابتزاز الجنسي وطلب المصاحبة مقابل عقد ثلاثة أشهر في دائرة حكومية أو عمل كإعلاميات مستكتبات في صحيفة أو وسيلة إعلامية بأدنى مستوى للدخل وعند رفضهن تكون النتيجة عدم الموافقة على التعيين أو الطرد من العمل يكون النتيجة المحتومة ، وهذه الظاهرة كانت سائدة في القطاع الخاص ولكن تدحرجت إلى القطاع العام دون حسيب أو رقيب ، وهي أبشع الطرق التي يتم فيها استغلال المنصب أو مكان صناعة القرار كنوع من أنواع الاتجار بالأشخاص الداخلي ...  وهكذا نكون قد وصلنا إلى أدنى مستوى من مستويات تدني الأخلاق وانحطاط القيم الذي ينذر بأفولٍ واندثارٍ مجتمعيٍّ ... ويذكرنا بقول الشاعر

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت         فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فكل الأمم التي استعبدت واندثرت مرت بمرحلة تدني الأخلاق والعبث بأشرف ما خلق الله والذي هو الإنسان .

فهل سنبصر ونعي أم أننا سنسمح لأمثال هؤلاء بعكس صورة سيئة عن مجتمعنا و الانحدار به إلى الهاوية...؟