دام برس :

يواجه داعش أي انتفاضة عشائرية ضده بوحشية كبيرة، خاصة من تلك التي تصنف طائفياً على إنها عشائر سنية وفق ما يطيب لوسائل الإعلام أن تسلط الضوء عليها، وذنب هذه العشائر من وجهة نظر التنظيم الإرهابي ذنبان، الأول يتمثل بالخروج عن طاعته و سلطان "أبو بكر البغدادي" زعيم التنظيم و الذي أطلق على نفسه لقب "خليفة المسلمين"، و الثاني بكون هذه العشيرة سنية و يجب عليها أن تشارك في حرب داعش ضد بقية مكونات المنطقة التي يصنفهم كفاراً، لا أن يخرجوا عليه، و إن كانت مجازر التنظيم الإرهابي بحق أبناء العشائر بدأت من عشيرة الشعيطات السورية التي انتفضت ضده في شرق سوريا، فإن لا يمكن أن يمرر انتفاضة عشيرة "البو نمر" العراقية مرور الكرام و دون أن يكون رد فعله بذات الوحشية.

المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام أفادت بأن التنظيم أعدم إلى الآن 200 رجلاً من العشيرة في هيت الواقعة غرب مدينة الرمادي ، فيما نزح بقية أبناءها من الرجال نحو مدينة حديثة العراقية، و التهمة بالنسبة للتنظيم جاهزة، هي الانضمام إلى الصحوات و معادة الدولة الإسلامية و الكفر.

انتقام داعش بهذه الطريقة يؤكد سياسة التخويف الممنهج الذي تمارسه قيادات التنظيم من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها داعش لبث مشاهد المجازر المروعة التي يتركبها، ولا تعير قيادات التنظيم أياً من قوانين الطبيعة الإنسانية مكاناً في سياساتها الدعائية لفرض واقع الخوف على بقية العشائر العربية التي أجبر الكثير منها على أخذ البيعة للخليفة المزعوم، و يمنح التنظيم الإرهابي لنفسه الشرعنة اللازمة لهذه الممارسات من خلال العبث بتفاسير النصوص المقدسة الواردة في القرآن الكريم و السنة النبوية.

منهجية التخويف التي يعتمدها التنظيم الإرهابي تدلل على مستو عال من التدريب النفسي الذي يلقن به عناصر داعش، و الذي تلقنته قيادات و مدربي التنظيم أنفسهم من قبل المخابرات العالمية، فالمعلومات الواردة خلال الايام الماضية أفادت بأن أبو بكر الشيشاني و الذي يعد أشهر قادة داعش الميدانيين تدرب على يد المخابرات الأمريكية و البريطانية، فيما أكدت في وقت سابق وثائق العميل السابق لوكالة الأمن القومي "إدوارد سنودن" أن التنظيم صنيعة مخابرات (أمريكا و إسرائيل و بريطانيا)، ومن قبل هذا و ذاك فإن اعتراف وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أثبتت تورط إدارة البيت الأبيض بنشوء التنظيم، و أسلوب التخويف العالي الذي يجب أن يكون ضحاياه في كل مرة رقماً مثيراً للرعب و بأساليب وحشية لم ترد في كتب التاريخ، ترسل إشارات واضحة بأن الدعاية التي يعتمدها التنظيم ليست مجرد ممارسات لمجموعة من المقاتليين المتطرفيين الذين يدعون انتسابهم لقضية سامية.

في مذبحة قاعدة الطيران العراقية "سبايكر" قتل نحو 700 عسكري عراقي، وفي مذبحة عشيرة الشعيطات قتل نحو 1150 مدنياً على مرحلتين، أما في مذبحة البونمر فقد قتل نحو 200 والرقم مرشحاً للزيادة، و بذكر هذه الأرقام لابد من السؤال عن جدوى التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد داعش ما دام مستمر بوحشيته، بل زادت إذا هاجم التنظيم كل من مدينة عين العرب السورية و مدينة الأنبار العراقية بذات الخطة، التي اعتمدت الحشد الكبير و الهجوم من ثلاث محاور، و الهدف واضح سياسياً بمجرد النظر للطبيعة المدينتن، فإن كانت عين العرب مرشحة لتكون عاصمة دولة كردية قد تنظم إلى دولة كردستان في شمال العراق ، فإن الأنبار مرشحة لتكون عاصمة دولة "سنية" تقام في منطقة من الأراضي السورية و العراقية في آن معاً، و بما إن هذه الأهداف هي أمريكية فإن التنظيم بهجومه عليها ينفذ المطلوب منه بدقة متناهية فاتحاً الأبواب أمام وجهة النظر الأمريكية للمنطقة بأن تحضر كحل أخير لضمان عدم تصارع "الطوائف" في منطقة الشرق الأوسط الذي سيصبح أكبراً ليناسب وجود إسرائيل في المنطقة.

في المحصلة، فإن داعش الذي ينفذ المطلوب منه أمريكياً لا يمكن القضاء عليه من خلال العمليات الجوية الأمريكية، و تحتاج المنطقة إلى عملية برّية منسقة بين الجيشين السوري و العراقي لوضع حلول نهائية دون تدخل أمريكي مع ضمان دولي بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص التنظيمات الإرهابية، أما في حال الوضع الراهن من الدعم المباشر وغير المباشر لداعش وسواه من التنظيمات الإرهابية فإن الوضع في المنطقة سيبقى قابلاً للتصعيد، ولن تكون عشائر الشعيطات و البونمر هما العشيرتين الوحيدتين المتعرضتين لوحشية داعش.

عربي برس