دام برس - رانيا مشوِّح :
 تفاصيل أنيقة تلملم نفسها ، لتحاصر تشوهات الواقع السوري ، منمنمات من اللياقة و الذوق و الرقة تلتف حول الفرح لتحييه و تنعشه ، دائماً للسوريين طريقٌ فرعيٌ للحياة ، و لغةٌ بديعة الاصطلاح للتعبير ، الفن ملجأهم و الإبداع مرساهم ، فرقة سورية للمسرح الراقص أنموذجٌ وضع بصمة في تاريخ الحركة الفنية السورية و عن الفرقة و عدد المنتسبين لها حدثنا نورس برّو مؤسس و مدير فرقة سورية للمسرح الراقص قائلاً:
قمت بتأسيس فرقة "سورية للمسرح الراقص" في العام 2012 , في خضم الأحداث السورية , الفرقة بجلّها تأسست من المتدربين الجدد , حيث واكبوا وفي ظل الأحداث على الدروس اليومية الثابتة في "التكنيك وليونة الجسد" و "الباليه الكلاسيكي" , حيث بدأنا بجيل من المتدربين الشباب بعدد وسطي "20 شخص" منهم من بقي في البلاد ومنهم من سافر وقمنا بتدريب غيره , ومن ثم استحداث جيل للأطفال في الفرقة بلغ قوامه اليوم 40 طفلاً وطفلة وسطياً.
 تعتمد الفرقة في هويتها على "الباليه الكلاسيكي" و"الرقص المعاصر" مستفيدة من تجارب مدارس وأسماء عريقة في العالم في هذا المجال ك"نينا باوش-مارتا غراهام-رودولف نورييف -البولشوي  وغيرهم" , مسهمة في بقاء سورية مواكبة للحداثة في العالم على صعيد الثقافة والفنون , ونكاد نكون الوحيدين اللذين يقدمون هذا النوع من الرقص على خشبة المسرح في ظل العروض المقدمة والتي يغلب على طابعها الفلكلور والتراث, كما أسست و قدمت الفرقة الكثير من الراقصين والراقصات سواء لجهة المعهد العالي للفنون المسرحية كجهة أكاديمية أو للحالة المسرحية الراقصة في سورية , حتى أن الخارج استفاد منهم في برامجه وعروضه.
و عن الأعمال التي قدمتها الفرقة منذ تأسيسها قال برّو : قدمت الفرقة حتى الآن على صعيد "جيل الكبار" اثني عشر عملاً راقصاً داخل وخارج البلاد في مسارح الأوبرا بأغلبيتها , بدأت مع عمل "إنسان" وهو عمل معاصر قدمته في العام 2013 على خشبة مسرح الحمراء بدمشق وبرعاية كريمة من وزارة الثقافة – مديرية المسارح والموسيقى , لتتوالى عروضها في دار الأوبرا السورية من خلال أعمال حملت هم الشارع السوري بشكل إنساني أقرب منه إلى الشكل السياسي , حيث أن المتلقي وقف أمام مرآة حياته اليومية وهواجسه ومستقبله وعلاقاته في أعمال مثل "سورية..قصة حب – نوستالجيا – خلق" وغيرها عرضت بين الأعوام 2013 و 2018
 

كما احتفت بانتصارات الجيش السوري من خلال عمل "درب المجد" في عيده في العام 2015 , وقدمت مؤخراً عملاً جماهيرياً في معرض دمشق الدولي بدورته الأخيرة حمل عنوان "هارموني" وهو عمل غنائي راقص معاصر حضره ما يزيد عن ألفي متفرج, أما العروض الموجهة للأطفال قدمت الفرقة عمل "حبق 1 و حبق 2" في كل من دار الأوبرا السورية و مهرجان الطفل التابع لمديرية المسارح والموسيقى
كما قدمت عمل "ألم" في العاصمة الجزائرية "الجزائر" وحصدت من خلاله الجائزة التقديرية في مهرجان الرقص الحديث والمعاصر من بين فرق روسية وبريطانية وفرنسية وغيرها  , اضطررنا مؤخراً لرفض الدعوة  الموجهة إلينا للمشاركة فيه في نسخته في "البرازيل" العام 2018 بسبب مشاركة فرقة "إسرائيلية" في ذات النسخة من المهرجان.
أما عن حركة المسرح أثناء و ما بعد الحرب أوضح برّو قائلاً :  أستطيع القول بكل ثقة وأسف بذات الوقت بأننا نكاد نكون الوحيدين اللذين نقدم هذا النوع من الرقص , فهو لا زال يعتبر في بعض المجتمعات السورية فناً نخبوياً له جمهوره الخاص , علماً أننا نفتخر بوجود "قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية" والذي بدوره معنياً بهذه الحركة بالدرجة الأولى , لكننا نرى عروضاً قليلة جداً تقتصر على مشاريع التخرج , ربما يعود هذا الأمر إلى أن الموضوع في الحياة العملية معاكس , بمعنى أن المعنيين عن فرق الرقص الأخرى في البلاد متوجهون بشكل أكبر للفلكلور والتراث
 و أضاف : هذا ما تحرص فرقة "سورية للمسرح الراقص" على عدم الخوض فيه والعمل به مهما كانت الظروف , فالموضوع بالنسبة لنا مرتبط بالفن فقط وبالشغف الخاص الأقرب للهواية أكثر منه موضوع عملي ومعيشي في المقابل ومشكورة لا زالت جهات ك "دار الأوبرا السورية" و "مديرية المسارح والموسيقى" تحرص قدر الإمكان على سوية الأعمال المقدمة ولكن ضمن الموجود والظرف الراهن
 وللأسف الحرب أرخت بظلالها على الدخلاء أيضاً , اللذين حولوا هذا الفن إلى موضوع تجاري ومعيشي فقط , علماً أن الساحة تتسع للجميع , لكن كثرتهم ألغت مواهب عديدة لم تلقَ الفرصة للبروز.

 علماً أن الحصار أثر على من يعملون بالفن إذ أنهم باتوا محرومون نوعاً ما من البعثات التشاركية في هذا المجال والاستفادة بشكل مباشر من الورشات و المدراس العالمية , لكن لننظر لنصف الكأس المليء , هناك جيل متعطش للفنون بحاجة إلى اهتمام وتوجيه صحيحين لهويته الفنية.
و عن المبادرات الفنية التي قامت الفرقة بتقديمها قال برّو : استحدثت الفرقة مؤخراً "جيل الأمهات" فيها وهو مخصص لعمر ال 35 إلى ال 55 عاماً , وهي فكرة جديدة في البلاد على صعيد الباليه الكلاسيكي والرقص المعاصر , لاقت الفكرة تجاوباً وصدى كبير ورغبة سريعة بالانتساب وهذا مؤشر جيد.

 كما أشار برّو : نذكر هنا بأن الفرقة لا تتقاضى أي أجور من المنتسبين في أجيالها الثلاثة "الصغار – الكبار – الأمهات" , هو عمل وطني بحت خدمة للحالة الفنية السورية
كما تحضر الفرقة لتقديم عمل للأطفال في الشهر الثالث من هذا العام , إلى جانب تحضيراتها لعروضها القادمة في موسم 2019 , ومنها عمل معاصر تماماً يحمل عنوان "القيامة" , سيكون بمثابة تجربة جديدة للفرقة.
و عن الرسائل التي وجهتها الفرقة من خلال العروض قال برّو : برأيي أن إدخال المُشاهد للعرض من خلال ربط إحساسه وحياته اليومية وهواجسه في فترة الحرب من خلال ما يشاهد ورؤيتها على الخشبة أهم الرسائل التي عملنا عليها
 بمعنى أننا لا نعطي الحلول كما هي مهمة الإعلام , بل نضيء عليها ليراها على حقيقتها إذا ما كان هناك نوع من الضبابية في هذه الرؤية وسط معمعة الحياة اليومية والأزمات التي نمر بها
هنا يكون الموضوع الفني موضوعاً فكرياً بحتاً , وبرأيي أن هذا هو جوهر الفنون جميعها , إضافة لتعزيز الرابط الوطني والمجتمعي بالنسبة للمُشاهد من خلال ما نقدم والابتعاد عن السطحية والمباشرة في رسالتنا ومشاهدنا الفنية.
و عن رؤيته للفن المسرحي السوري في سورية في المرحلة القادمة قال برّو : بصراحة وفي ظل المتغيرات الفكرية والمجتمعية التي أفرزتها الحرب السورية , يكذب من يستطيع الرؤية بشكل واضح وإنما أستطيع أن أتمنى هنا مع القليل من الجهد أن يكمل هذا الشعب الذي خلفته حضارة كبيرة عمرها يزيد عن ال 7000 عام اخترع خلاها أول نوطة موسيقية , وقدم الفنون بأشكالها "المسرح – الرقص- الموسيقى – الدراما – السينما وغيرها" أن يقدّم مفرزاً نحن فخورون بأننا كنا ولا زلنا وسنتابع كجزء منه يعبر عن هذه الحضارة , فعادة إذا ما قرأنا في التاريخ نجد أن أول مفرزات الشعوب المتحضرة بعد حروبها وأزماتها هو الأدب والفن والفكر , بالتأكيد هناك حالات شاذة وطفرات ستزول لكن المهم منها سيبقى متحدثاً باسم البلاد , وهناك أمثلة كثيرة منها ما تلا الثورة الفرنسية من شعر وأدب , والثورة البلشفية من فكر وفنون , والحروب العالمية التي جعلت الناجي من ضحاياها متشوق للفنون وخصوصاً المسرح الراقص وهذا ما رأيناه من خلال تطوير هذا الفن في فرنسا وروسيا بعد أن انطلق من إيطاليا.
و كشهادات فنية و رؤى مختصة حدثنُا عن فرقة سورية للمسرح الراقص و مؤسسها الفنان نورس برّو كلً من مدير دار الأسد للثقافة والفنون – الموسيقي جوان قرجولي قائلاً :
يمتلك الإعلامي والمخرج المسرحي "نورس برّو" صوت خاص إبداعي، يُمتع من يستمع إليه، كما أن المواضيع التي يطرحها جريئة ومعاصرة جداً إعلامياً
 في الجانب الفني يعمل "نورس" على التفاصيل وهو مدرس مهم وخصوصاً لفئة الأطفال الذين يحبونه كثيراً، كما يعمل على مستوى الطالب بطريقة أقرب لروح الصداقة من كونه أستاذ، نفخر بنوع الفن الذي يطرحه وبكمية الإبداع التي يقدمها سواء فنياً أو إعلامياً .
و الصحفي والإعلامي إدريس مراد قائلاً :
  تتميز عروض المخرج "نورس برّو" بمضمونها الفكري أولاً، حيث يختار المواضيع بعد دراسة عميقة، ليكتمل العمل عنده إلى أبهاه، فنجد عنده الصورة الجميلة من خلال لغة عصرية للجسد، إضافة كونه الوحيد الذي يعمل بالرقص الكلاسيكي والمعاصر بأسلوب خاص مميز، ليبهر المتلقي بعرض مكتمل من كافة النواحي، سواء بالغرافيك والديكور والأداء المتقن للراقصين فضلاً عن اختياراته الموسيقية الجادة العالمية والعربية، ومن ناحية ثانية يعتبر من اللذين وضعوا بصمة في الإعلام السوري ولاسيما الإعلام الإذاعي فيسجل له تأسيس بغض الإذاعات الخاصة، وهو مذيع ذو نبرة متميزة وصوته فريد وثقافته عالية وأدائه لبق.
السوريون صنّاع الرقي و رواده فإدمانهم للجمال لا يشفى و لا يبرأ ، فأرواح مُلاّك الحضارة لا تهدأ و لا تنام إلا بحضرةِ الروائع و الأمجاد.