فيما كان «حزب الله» يواصل تمدده في جرود القلمون وعرسال على وقع معاركه مع إرهابيي «النصرة،» حاول «داعش» مباغتة الحزب في جرود القاع ورأس بعلبك، حيث شنَّ هجوماً فاشلاً على العديد من نقاط المقاومة، انتهى الى نتائج عكسية بالنسبة الى المعتدين الذين يحتلون المثلث الجردي اللبناني، الممتد بين عرسال ورأس بعلبك والقاع.
ودفعت الجهوزية العالية للحزب في المنطقة المستهدفة، وقدرته على إجهاض الهجوم بالكامل، الى التساؤل عما إذا كانت المقاومة هي التي استدرجت مقاتلي «داعش» بشكل أو بآخر الى محاولة التقدم في اتجاه مواقعه، ومن ثم إطباق «فخ الفجر» عليهم.
وليس خافياً أن المقاومة أوحت لـ«داعش» خلال الأيام الماضية بأنها منشغلة في مقاتلة «النصرة» حالياً، وأن معركتها معه مؤجلة الى مرحلة لاحقة، الأمر الذي قد يكون شجّع «داعش» على شنّ الهجوم الاستباقي وتوهّم إمكانية انتزاع المبادرة العسكرية من الحزب، على قاعدة أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم.
ولكن حسابات «داعش» اصطدمت بالاستعدادات الميدانية للمقاومة و«كمائن العبوات» التي نصبتها في الممرات الجغرافية، حيث نجح عناصرها ـ بعد مواجهة استمرت من الرابعة فجر الاثنين ـ الثلاثاء ولغاية الرابعة بعد ظهر أمس ـ في صد تقدم مقاتلي «داعش» الذين اضطروا الى الانكفاء مخلّفين وراءهم عشرات القتلى، بينهم أحد أمراء التنظيم وقادة ميدانيون فيه، إضافة الى سقوط عدد من الجرحى، ووقوع 14جثة في أسر الحزب.
وهكذا، انتهت «غزوة» أمس الى انقلاب السحر على الساحر، وسقط لـ«داعش» في مواجهة واحدة ما يساوي تقريباً عدد قتلى «النصرة» على مدى المعارك الأخيرة في القلمون وجرود عرسال منذ أوائل أيار المنصرم وحتى اليوم، وفق ما أكد مصدر موثوق لـ«السفير». وعُرف من قتلى «داعش» أبو عكرمة، أبو شهاب، أبو عائشة، أبو كايد، أبو محمد، وأبو خالد قارة.
وانطلق «داعش» في غزوته من «حقاب الكاف» في جرد رأس بعلبك نحو «قرنة السمرمر» و«قرنة المذبحة» بالقرب من «خربة الدمينة» في أعالي جرد رأس بعلبك وامتداداً إلى «خربة بعيون» في رأس جرد القاع، وتحديداً في أعالي وادي بعيون الذي يفصل بين الحدود السورية واللبنانية لناحية جوسيه.
وتقع «حقاب الكاف» (الكهف) في شرقي جرود رأس بعلبك، وفيها مغارة كبيرة قد تكون غرفة عمليات «داعش» في المنطقة حيث تمتد بعمق 14 متراً، وهي صخرية وأقفلتها «داعش» ببوابة حديدية. وتطل نقطة «حقاب الكاف» على وادي رافق (بين القاع ورأس بعلبك)، ومنه على مدينة الهرمل.
ولم تمنع غزوة «داعش» استمرار معركة الجزء الجنوبي من جرود عرسال حيث وصل «حزب الله» أمس إلى وادي «أبو زنوبيا» بالقرب من أودية الخيل والعويني والحريق المتبقية تحت سيطرة «النصرة»، لترتفع المساحات التي خسرتها الأخيرة إلى نحو 92 في المئة من الجرود العرسالية التي تحتلها.
ويعتبر خبراء عسكريون أن الإعلان عن تفكك «النصرة» في جرود عرسال صار وشيكاً حيث يسيطر «حزب الله» بالنيران على الأودية الثلاثة، سواء من التلال القريبة أو المرتفعات الشاهقة كقمتي صدر البستان الجنوبية والشمالية (أعلى قمم السلسلة بعد جبل الشيخ).
هجوم «داعش»
استفاق سكان بلدتي القاع ورأس بعلبك فجر أمس على وقع المعارك في جرودهما، وعلى مسافة لا تزيد عن 14 كيلومتراً فقط من وسط البلدتين، خصوصا أن مراكز الجيش اللبناني استهدفت أيضاً بالمدفعية تحركات المسلحين في المناطق التي تقع تحت مرمى نيرانها.
وفيما كان عناصر «حزب الله» يستعدون لأداء صلاة الفجر، شنّ «داعش» هجومه على العديد من النقاط التي يتمركز فيها عناصر الحزب بين خربتي «الدمينة» و «بعيون»، على مساحة نحو 12 كيلومتراً، مسيّرين مجموعات من المشاة وعلى الدراجات النارية والسيارات رباعية الدفع، في معركة تُعد الأعنف منذ ايار الماضي في تلك المنطقة، دارت خلالها مواجهات بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وبالقاذفات الصاروخية والقنابل اليدوية، على مسافات تراوحت ما بين مئة متر وعشرين متراً.
والغزوة الاستباقية لـ «داعش» لم تكن كذلك بالنسبة لـ «حزب الله». كان عناصر «الحزب» متحسّبين للهجوم، فزرعوا عبوات ناسفة على مسافات من محيط مراكزهم. وعليه، انفجرت العبوات بأعداد من المهاجمين الذين قدر عددهم بـ «المئات» وفق مصادر عسكرية عليمة. ومن لم تنفجر فيهم العبوات في أسفل التلال، استهدفهم عناصر «حزب الله» بالأسلحة الثقيلة حيث تم تدمير خمس آليات و «جرافة» وعدد من السيارات رباعية الدفع المزودة برشاشات ثقيلة، وعدد كبير من الدراجات النارية.
ويعتبر أحد الخبراء العسكريين أن معركة الأمس ستكون مفصلية في مواجهة «حزب الله» مع «داعش»، والتي كان من المفترض ان تبدأ بعد تصفية «النصرة» في جرود عرسال. ويشير الى أن الخسائر التي منيت بها «داعش» بشرياً وعتاداً والأهم نفسياً ومعنوياً «اختصرت الكثير على حزب الله في معركته المقبلة معها، إذ يكفي أنها خسرت في مواجهة واحدة عديد القتلى الذين خسرتهم النصرة على مدى شهر وعشرة أيام من المواجهات مؤخراً».
وأعلن الإعلام الحربي لـ «حزب الله» أمس عن أن وحدة الإسناد الناري لـ «الحزب» استهدفت تجمعاً للمسلحين في شعبة المحبس شرق جرود عرسال بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، ما «أوقع عدداً كبيراً بين قتيل وجريح».
وعرف من القتلى «وليد عبد المحسن العمري الملقب بأبي الوليد، وهو سعودي الجنسية من أبرز قادة المسلحين في القلمون، وطلال يحيى حمادة وأحمد حسين عرابي من حمص، وأسامة النداف وهاشم محمد اللحاف».

ومع فشل الهجوم «الداعشي» في احراز أي خرق باتجاه مواقع «حزب الله»، وانكفاء المعارك بعد ظهر أمس، إلا من محاولات سحب جثث قتلى «داعش»، بقيت الخريطة الجغرافية للمناطق التي تحتلها «داعش» من جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك على حالها.
وتتوزع مناطق سيطرة «داعش» من خطوط تماسها مع «النصرة» في جرود عرسال الى معابر الشيخ علي والجراجير (باتجاه فليطا)، ومرطبيا والزمراني (على حدود الجراجير- قارة) ووادي ميرا (بين قارة والبريج).
كما تسيطر «داعش» اليوم على جرود عرسال الممتدة من سرج العجرم امتداداً نحو الشمال - الشرقي، إلى قرنة شعبة القاضي على الحدود اللبنانية السورية، وتلة البعكور في جرود رأس بعلبك، مروراً بمراح المخيريمة في رأس بعلبك أيضاً، وصولاً إلى قلعة معالف وحورتا على الحد بين جرود رأس بعلبك والقاع.
وتعتبر «خربة الدمينة» في رأس بعلبك، و «خربة بعيون» في أعالي وادي بعيون في رأس جرود القاع خط التماس بين داعش وحزب الله. وتصل حدود سيطرة «داعش» إلى «جبلة حسيا» على الحدود مع جرود البريج والرحيبة، شمال قارة في الجرد السوري.