دام برس :

لم يكن الهجوم الذي قامت به الجماعات المسلّحة من جهة وادي عين ترما بإتجاه الدخانية وحي الكبّاس أكثر من تسلّلٍ محدودٍ بهدف الإستثمار الإعلامي ورفع معنويات هذه الجماعات التي تعاني من تداعيات هزيمتها في المليحة ومشارفتها على الهزيمة في جوبر، وتحرير حتيتة الجرش التي ستشكّل رأس الحربة في الهجوم النهائي باتجاه دوما.
في جوبر استطاعت وحدات الجيش العربي السوري أن تكسر خطوط الدفاع الأساسية للجماعات المسلّحة، وأن تطوّر الهجوم الى مراحل لن يعود بمقدور هذه الجماعات أن تستمر لفترةٍ طويلةٍ في الحي، ما يضعها أمام خيارٍ وحيدٍ وهو الإنسحاب الى زملكا وعين ترما، وفي هذه الحالة ستكون هذه الجماعات في وضعٍ صعب معنوياً وميدانياً.

التطورات الأخيرة في جوبر كانت بنتيجة قرار واضح وصريح اتخذته القيادة العسكرية بإنهاء حالة الإستنزاف وحرب خطوط التماس والأنفاق، وبدا ذلك واضحاً من خلال استخدام سلاح الجو السوري قنابل خاصة بضرب المدارج والملاجئ المحصنة والتي أدّت الى تدمير البنية الدفاعية الأساسية للجماعات المسلّحة، ما حرمها من القدرة على المناورة والحركة اعتماداً على هذه الأنفاق.

معركة جوبر شارفت على نهايتها، وكلّ المعلومات الواردة من أرض المعركة تؤكد عزم المسلّحين على مغادرة الحي، ومقدمات هذا الإنسحاب بدأت من خلال حرق المسلحين لمراكزهم وهو تدبير لجأت اليه الجماعات المسلّحة كلما أُجبرت على الإنسحاب من مراكزها ومواقعها.
شكلّ تحرير المليحة مفصلاً هامّاً في اتجاه حسم معركة الغوطة الشرقية التي تتداخل فيها عوامل الهزيمة للجماعات المسلّحة توازياً مع المصالحات، مضافاً لها التناقضات الكبيرة بين الجماعات نفسها والتي قد تؤدي في المرحلة القادمة الى صراعاتٍ مسلّحة بنتيجة الإتهامات المتبادلة بالتخاذل والخيانة، الى درجة أنّ لقب زهران علوش السائد بين الغالبية من الجماعات هو "أبو بدر"، الشخصية الجبانة في مسلسل باب الحارة.

الهجوم الذي نفذته وحدات الجيش العربي السوري باتجاه حتيتة الجرش هو التدبير الصحيح الذي تمّ من خلاله قطع خطوط الإتصال بين زبدين وجسرين بشكلٍ نهائي، ويعتبر قاعدة الإرتكاز الأساسية في تطوير الهجوم اللاحق.
مسألة الوقت الذي تستغرقه العمليات العسكرية للجيش السوري ستبدأ بالتقلّص يوماً بعد يومٍ بنتيجة الخبرات المتراكمة في التعامل مع أساليب قتال الجماعات، وبسبب خسارتها لخطوط دفاعها المحصّنة في المليحة وقريباً في جوبر.

أما الهجوم الذي نفذّته الجماعات المسلّحة على حي الكباس والدخانية من جهة واديعين ترما فلم يؤدي الغرض الذي توخّته الجماعات المسلّحة في تحقيق خرق جدي بإتجاه جرمانا، والعارفون بجغرافية المنطقة يدركون أنّ ما قام به المسلحون أشبه بعملية انتحارية منه بهجوم منسّق ومنظّم يمكن من خلاله تحقيق نصر ميداني ولو محدود.

كلّ ما في الأمر أنّ المسلّحين حاولوا التأثير على معنويات الأهالي في مدينة  جرمانا وإيهام الرأي العام أنهم قادرون على المبادرة والهجوم، الأمر الذي صار قدرةً يمتلكها الجيش السوري حصراً.
باعتقادي أنّ المصالحة التي تأخرت كثيراً في حرستا ستصبح ممكنة مع تحرير جوبر، والسبب الأساسي هو وصول الأهالي الى قناعة بعبثية استمرار الحرب للأسباب التالية:
1- ممارسات الجماعات المسلّحة السلبية تجاه الأهالي على كل الصعد وعدم تقديمهم لنموذج بديل بحسب الوعود مع بداية "ثورتهم".
2- الهزائم المتتالية التي تلحق بالجماعات المسلّحة ليس في الغوطة وحسب إنما على أغلب الأرض السورية.
3- الأوضاع المعيشية والإقتصادية الصعبة للناس بكل شرائحهم.
4- الشعور السائد لدى الأغلبية بقدرة الدولة على الصمود ودخول العامل التكفيري على خط الأزمة، والذي يشكّل عامل رعب وعدم قبول في البيئة السورية وتحديداً منها السنّية التي تشعر بالتناقض بين ما تربّت عليه وما هو آتٍ عبر الجماعات المتشدّدة.

هذه الأسباب هي عوامل تغيير أساسية في مناخ المرحلة القادمة سيكون لها تأثير متوازي مع ضربات الجيش السوري.
ومن المهم أن نذكر أنّ الجماعات المسلّحة دخلت في مرحلة الإنهيار الإدراكي، ما يعني فقدان الثقة بقدرتهم على إحداث التحولات الميدانية وهذا العامل خضعت له نفس الجماعات في مرحلة ما قبل الهزيمة في كل المواقع التي قاتلت فيها.
عسكرياً: لم يعد هناك أدنى شك عند أيّ خبيرٍ عاقل ومحايد أنّ توزع السيطرة على الأرض قد صار بنسب عالية لمصلحة الجيش السوري، ووحدهم المرتبطون بمصالح ويتبعون لجهات معادية للدولة السورية يصرّون على تصوير الأمور بغير حقيقتها، ممّا يساعد أيضاً في تراكم الصدمات التي تلحق بالبيئة الحاضنة للجماعات المسلّحة والتي ستكون أيضاً من عوامل الإنهيار الشامل.

اذا استمرّت الأمور بنفس الوتيرة فقد تكون المصالحات هي المخرج الذي ستنتهي به معركة الغوطة الشرقية، فما ينطبق على الأهالي في عربين وحرستا وقبله في أكثر من مكان ينطبق على دوما أكبر معاقل المسلحين.
إذاً نحن على مشارف الدخول في مرحلة نصرٍ ناجز للجيش العربي السوري وهزيمة محقّقة للمسلحين سواء كانت عبر سحقهم عسكرياً أو من خلال استسلامهم أو الخضوع لمنطق المصالحة، وهو المنطق والوسيلة التي ستجنّب السوريين مزيداً من الآلام والدماء.

سلاب نيوز