دام برس:

كانت إيران منذ عام (2004) في أولويات جدول العمل الإسرائيلي وظهر ذلك جلياً في أشكال التهديد والتحريض ضدها سواء من خلال تهديد سورية أو حزب الله أو حرب عام (2006) لإعادة تشكيل (شرق أوسط كبير)... ويبدو أن التطورات المتلاحقة منذ السنوات الست الماضية بدأت تؤشر لظهور الملاحظات التالية:
1. تراجع القدرة الأمريكية على التدخل العسكري المباشر وتجنب المجابهة المباشرة مع إيران بشكل خاص ومع بعض الأطراف الأخرى المعادية أو المناهضة للسياسة الأمريكية بشكل عام، وهذا ما اثبته اتفاق الدول الست مع إيران في الموضوع النووي وظهور إيران كقوة كبرى اقليمية مع حلفائها في سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولذلك يعترف مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن اسرائيل لن تحظى بأي ضوء أخضر من الولايات المتحدة لضرب إيران في ظل هذه الظروف ووجود اتفاق لدول الست علماً أن الدكتور (ايميلي لاندوا) من نفس المركز والمختص بالشؤون النووية الإيرانية، ويعترف أن التكنولوجيا النووية الإيرانية أصبحت تؤهل طهران لصناعة قنبلة نووية في وقت قصير جداً حين ترغب.
2. تراجع إدارة أوباما عن سياسة التدخل العسكري المباشر والبدء باعتماد وكلاء من القوى أو المجموعات المحلية وتسخيرهم لتحقيق الخطط الأمريكية في المنطقة عن طريق تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي لهذه المجموعات، ويؤكد المحلل السياسي للإستراتيجية الأمريكية (جوستين ريموندو) في موقعه (انتي وور) أن أوباما تبنى هذه السياسة ضد سورية والمقاومة اللبنانية وإيران ومناطق أخرى، واستشهد (ريموندو) بما جاء في نص خطاب أوباما حول السياسة الخارجية حين قال: [إننا نشهد بموجب ما يراه السياسيون الواقعيون نزاعات في سورية أو أوكرانيا أو جمهورية أفريقيا الوسطى لا يتطلب حلها من قبلنا ولا يتفاجأ أحد حين يعلم أن هذه الرؤية يشاركني بها الكثير من الأمريكيين بعد النفقات الباهظة لتلك الحروب واستمرار التحديات هنا داخل أمريكا].
وكشف (ريموندو) أن أوباما انتقد الذين يعترضون على تبنيه لهذه السياسة التي وصفوها (بالانعزالية) واعتبروها خطراً عليها وطالبوه بالتدخل العسكري المباشر ورفض تسمية سياسته هذه بالانعزالية.
وقال: (إن انتقال الحرب الداخلية في سورية عبر الحدود سيؤدي إلى زيادة قدرة المجموعات المتطرفة على ملاحقتنا).
ويؤكد (جيسون ديتس) في نفس موقع (انتي وور) أن أوباما بدأ فعلاً يتبنى سياسة تسخير وتوظيف المجموعات المحلية كوكلاء لحربه وتحقيق مصالحه بدلاً من ارسال الجيوش الأمريكية إلى ساحات الدول المناهضة له، فأثيوبيا جرى تسخيرها للتدخل في الصومال واكتفى أوباما بإرسال مجموعات المخابرات الأمريكية إلى دول أخرى وكان آخرها ما اتخذه تجاه ما يجري في ليبيا هو مساعدة حلفائه المحليين الليبيين بإرسال (1000) من قوات المارينز.
وفي خارطة هذه السياسة الأمريكية المفترضة في الشرق الأوسط تجد اسرائيل أن دورها سيقتصر بشكل سري على مساعدة الوكلاء المحليين سواء كانوا على شكل مجموعات مسلحة أو على شكل دولة تشكل المملكة الأردنية دوراً متزايداً في هذه السياسة رغم الأفكار التي تحملها لها هذه الوظيفة على وضعها الداخلي.
ولذلك يعتقد بعض المحللين الإسرائيليين أن (حالة الضعف الأمريكية وتبني سياسة تسخير الوكلاء) ستنعكس مضاعفاتها على اسرائيل لأن الضعف الأمريكي أو التراجع في النفوذ والقدرة على التدخل المباشر سيفرض وضعاً جديداً على اسرائيل ويتطلب منها التكيف معه ومع أهدافه في حماية حلفاء واشنطن في المنطقة وربما زيادة التعاون السري معهم للحد من تزايد قوة ونفوذ قوى الممانعة والمقاومة وعدم توسيع دائرتها الإقليمية خصوصاً باتجاه العراق ولبنان الرسمي.
لكن هذه السياسة الأمريكية والدور الإسرائيلي فيها سيصطدم على المستوى الدولي مع سياسة روسيا والصين التي تتبنى دعم جميع القوى والدول التي تناهض السياسة الأمريكية وهيمنتها كما سينتج عن هذه المعادلة تطوراً في ميزان القوى على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط ريثما يفرز هذا الشكل من المجابهة أو المواجهة السياسية والعسكرية التي تجري عن طريق الوكلاء نتائجه على الأرض ويفرض في النهاية مكاسب السياسة لمصلحة سورية وإيران والمقاومة خلال سنوات قليلة مقبلة.
ولذلك تطرق أوباما في خطابه حول السياسة الخارجية الأمريكية إلى هذه النزاعات وخصوصاً حين ذكر سورية وأوكرانيا وروسيا والصين وخط الانتشار النووي (إيران وكوريا الشمالية).

إعداد: أ. تحسين الحلبي
   مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية
 د. بسام أبو عبد الله