خاص دام برس - بلال سليطين

لا يختلف عاقلان على أهمية الحوار وتبادل الأفكار والآراء وطرح القضايا من خلال المناظرات وخصوصاً العامة منها والتي ينعكس صداها على المجموع ولا تبقى فائدتها محصورة بالأشخاص المتحاورين فقط.

وقد شهدت اللاذقية خلال المرحلة الماضية دوري للمناظرات ضمن برنامج لنتحاور الذي تتصدى له الأمانة السورية للتنمية، وقد أقيم وفق نظام كأس العالم ودارت المباراة النهائية فيه حول اثبات أو نفي صحة الجملة الجدلية "مجلس مدينة اللاذقية يقوم بعمله على أكمل وجه".

وللحديث عن هذا الدوري وتفاصيله؟ وأهمية الحوار والمناظرات؟ دام برس التقى بعض المشاركين والمعنيين بهذه المناظرات.

حيث قالت عضو الفريق الفائز بالمناظرات "مروة كيدلي" :«هذا الدوري بدأ قبل حوالي شهرين مررنا خلاله بمراحل متعددة قبل أن نصل إلى المرحلة النهائية التي يتواجه فيها فريقان عليهما اثبات أو نفي صحة الجملة الجدلية هي "مجلس مدينة اللاذقية يقوم بعمله على أكمل وجه".

المناظرة عبارة عن منافسة كلامية بين فريقين كل فريق يطرح وجهة نظره بالموضوع مع إثباتاته ووثائقه ولجنة التحكيم تعطي النتيجة وتقرر الفريق الفائز.

عملنا كفريق مشارك بالمناظرة كان عملاً ميدانياً لأنه من غير مسموح الحصول على المعلومات من خلال الانترنت وبالتالي كان لدينا زيارات ميدانية لأحياء المدينة والبلدية وتواصلنا مع أعضاء المجلس وجمعنا أكبر قدر ممكن من المعلومات الهامة والمفيدة لإثبات صحة وجهة نظر فريقنا، كما قمنا باستبيان في عشرين منطقة من مناطق اللاذقية لمعرفة آراء المواطنين ومواقفهم».

قدرة المناظرات على تحقيق الهدف المرجو منها كانت جزءً من حديثنا مع عضو الفريق الفائز "فوز جحجاح" حيث قالت:« بسهولة يمكن للمناظرات أن تحقق الهدف المرجو منها نظراً لقدرتها على التأثير النفسي داخل كل فرد يشارك فيها أو يتابعها.

إن طرح الفكرة وقبولها من قبل المجتمع لوحده انجاز وانتصار مجتمعي، ناهيك عن أهمية الفوز بالمناظرة واثبات رأي شريحة من المجتمع وتأييد موضوع ما والسير بطريقة علمية وممنهجة في الدفاع عن الفكرة، هذه كلها عوامل هامة تدعم فكرة إنجاح المناظرات».

الفريق الخاسر في المناظرات لم يكن أقل حماسة واندفاعاً من الفريق الفائز، ويقول "ماهر عيسه" من فريق النفي (الفريق الخاسر):«خلال مناظراتنا كان عليك اما أن تثبت صحة فكرتك وتربح أو ينفي صحتها الخصم وبالتالي تخسر، والصعوبة تكمن أنه ليس بالضرورة أن تكون مقتنعاً بالفكرة التي تدافع عنها لكن وقوع الاختيار عليك للدفاع عنها من خلال القرعة يجعلك تتجرد عن كل خلفياتك وأفكارك وتبحث عن الطريقة التي تستطيع فيها جمع المعلومات المفيدة لوجهة نظرك والمقنع أيضاً.

لقد أمضينا "30" يوماً من التواصل مع مجلس المدينة وتابعنا عملهم عن قرب وحاولنا مقارنة ما يقومون به وما عرضوه علينا من تفاصيل مع ما هو موجود على أرض الواقع، واستطعنا تكوين رؤية متكاملة لإثبات صحة وجهة نظرنا لكن لجنة الحكم ارتأت أن الفريق الخصم كان أفضل.

في الحقيقة الحياة مناظرة، وتجربتي هذه علمتني أن لا أكون رأياً سلبياً أو أطلق حكماً قبل أن اطلع على الواقع الميداني كما هو».

المتحدث باسم لجنة التحكيم في المناظرات "غابي صهيوني" أثنى على الجهود المبذولة من قبل كل الفرق وقال:«في كل مرحلة من مراحل الدوري كنا مهتمين بأن يكون الفوز من نصيب الفريق الأكثر قدرةً على التعبير عن وجهة نظره بطريقة حضارية ودعمها بالمعلومات والوثاق وكذلك الصور، وهذا مابدا جلياً عند فريق النفي الفائز في الدوري حيث استطاع أن يثبت للجميع أن من خلال طرحه أن مجلس مدينة اللاذقية لايقوم بعمله على أكمل وجه.

إن أكثر ما لفت نظري في هذه المناظرة هو قدرة كل فريق على تدعيم ملفه بالمعلومات وقدرته أيضاً على الدفاع عن وجهة نظره بطريقة ايجابية حتى لو كانت الفكرة سلبية».

من البديهي أن هذه المناظرات واجهت صعوبات فيما يتعلق بتقبل وجهة النظر الآخر، وهذا يؤكده السيد "طارق إبراهيم" وهو من القائمين على هذا الدوري، حيث يقول "ابراهيم":«المناظرات هي من ضمن برنامج لنتحاور الذي تقيمه الأمانة السورية للتنمية، وهذا البرنامج وجد صعوبات كبيرة قبل الوصول إلى هذه المرحلة بسبب الظروف الحالية وتشبث البعض بوجهة نظرهم ورفضهم لسماع وجهات النظر الأخرى، وعدم وجود التزام من المواطنين واعتبارهم له شيئاً ثانوياً، وهذا يعود لعدة عوامل التربية الانتماء العائلي المناطقي والتشبث برأيه، وهذا يؤكد أننا نفتقد لثقافة الحوار وأننا بحاجة لأكثر من دوري مناظرات كهذا، فهذا البرنامج مهمته الأساسية أن يوصلنا إلى مرحلة يسمع فيها كل إنسان لوجهة نظر الآخر بشكل عقلاني وأن يدافع عن فكرته بشكل عقلاني، وما قمنا به حتى الآن هو شيء بسيط من الحالة التفاعلية، والمشاركون دعموا ملفاتهم وذهبوا إلى مجلس المدينة وتابعوا الموضوع.

المهم في العملية أن الفريق المشارك لا يعرف أي وجهة نظر عليه أن يدافع عنها، حيث أننا قبل بداية الدوري نقوم بإجراء قرعة وبناءً عليها تحدد مهمة كل فريق هل هي نفي أم إثبات صحة الجملة الجدلية، وبالتالي فإن على المشارك أن يقنعنا بوجهة النظر حتى لو لم يكن مقتنعاً بها.

جمالية الحوار والمناظرات تأتي من أنها توصل الشباب في هذا العمر إلى الفكر الذي يدفعهم إلى الاستماع إلى الطرف الآخر وأن يضعوا أنفسهم مكانه».

من جانبه قال "فادي سركو" المسؤول عن المناظرات:«ليس المهم من المناظرات من يفوز بل المهم كم عدد الذين استفادوا من هذه المناظرات كم عدد الذين آمنوا بثقافة الحوار وشاركوا ولو ضمنياً به أو تعاطفوا مع الفكرة.

لقد استفاد كل مشارك في هذه المناظرات بشكل شخصي من مشاركته وأفاد المجموع، فالمشاركون أولاً أصبحت شخصيتهم أقوى وأفكارهم أعمق من خلال نزولهم إلى الميدان وتواصلهم مع أعضاء مجلس المدينة ومع المواطنين وجمع المعلومات بمفردهم ومن دون تدخل أي شخص.

لقد استطاع المشاركون جمع المعلومات وتدوينها على الورق من ثم حولوها إلى أفكار دافعوا من خلالها عن وجهة نظرهم أمام الجمهور والخصم وكذلك لجنة التحكيم، مما عكس الفائدة على المتناظرين والجمهور ومجلس مدينة اللاذقية.

لقد تميزت هذه المناظرات بأنها التجربة الأولى من نوعها والتي ينزل فيها المشاركون إلى الميدان ويقابلون أشخاصاً معنيين، مما ترك أثراً كبيراً لديهم وجعلهم أكثر ثقةً بنفسهم وأكثر قدرةً على تدبر أمورهم، وهم الآن أصبحوا أشبه بسفراء لثقافة الحوار التي نحن بأمس الحاجة لها».

يقول الفيلسوف "برناردشو" "إذا كان لديك تفاحة ولدي تفاحة وتبادلنا التفاحات، سيكون لدى كل واحـد منا تفاحة، أما إذا كان لديك فكرة ولدي فكرة وتبادلنا الأفكار فسيكون لدى كل واحد منا فكرتان، فما بالك إذا كان التحاور بين عشرة؟! آنئذ سيكون لكل واحد ضمن المجموعة عشر أفكار". وبالتالي عشر أفكار أفضل من فكرتين، وبالتأكيد ستكون هذه الأفكار العشرة متنوعة، وستقدم حلولاً وحلولاً بديلة