دام برس
مع حلول شهر رمضان الكريم وما يشهده عادة من عروض لأعمال درامية على شاشات نهار رمضان الطويل وأمسيات ما بعد الإفطار، يعود الحديث عن الدراما السورية ليطفو على السطح من جديد وسط تساؤلات حول تأثير الأزمة السورية بشكل عام وتضارب المواقف في الوسط الفني السوري مما يجري على وجه الخصوص على إنتاج الدراما السورية لهذا العام، وما إذا كان قد تراجع أو تغير نوعياً أم لا.
ويعود هذا الاهتمام نظراً لسيطرة الدراما السورية في السنوات الأخيرة على الشاشات العربية حيث تقدم هذه الصناعة سنوياً عشرات الأعمال المميزة، بين الكوميدي والجدي الذي يتراوح في مواضيعه ما بين التاريخي العربي أو الدمشقي وصولاً إلى مسلسلات تتناول قضايا اجتماعية وسياسية حساسة لم يسبق أن تجرأ صناع الدراما في العالم العربي على تناولها.
من الواضح أن واقع الدراما السورية بدا متأثراً إلى حد ما بالمناخ العام الذي تعيشه البلد، ومن المتابعة الأولية لبعض الأعمال الدرامية السورية نلاحظ بأن بعض منها تم تصوير مشاهده في الداخل السوري رغم الصعوبات الموجودة بسبب أعمال العصابات الإجرامية التي عاثت في الأرض فساداً، أما البعض الآخر فتم تصويره خارج الجمهورية العربية السورية.وهذا يعد هروباً من الواقع وخلق أزمة من لاشيء , وهروباً من الدفاع عن الوطن والشرف , لأن الوطن السوري هو شرف لكل سوري عاش وترعرع فيه , فلماذا الهروب منه عند حدوث أمر ما ويتركه للمرتزقة , هذا الهروب هو أيضاً حزء من الخيانة بشكل عام .
منذ عدة أعوام شهدت الدراما السورية نهضة شاملة حولتها إلى صناعة حقيقية وجذبت هذه الصناعة شركات الإنتاج الخليجية التي ساهمت بشكل مباشر في انتشارها على المحطات العربية، ومع بداية الأزمة السورية بدأت هذه الشركات بمقاطعة الأعمال السورية الفنية ويومها تدخل السيد الرئيس بشار الأسد وقدم كل الدعم لهذه الصناعة من اجل المحافظة عليها وتنمية دورها البناء في مناقشة قضايا الواقع.
وفي هذا العام شهدت الأعمال الدرامية السورية تراجع بوجود قرابة عشرين مسلسل فقط من إنتاج القطاعين الحكومي والخاص. ويعتبر هذا أمر جيد بالنسبة لصناعة هذا النوع من الفن السريع سواء في صياغته بصريا أو في استهلاكه ومن الملاحظ عدم رغبة القنوات العربية بقبول أي عمل عن الأزمة السورية، وكان في مقدمة هذه القنوات شبكة (إم بي سي) السعودية، التي على ما يبدو لا تريد على شاشاتها أي عمل له علاقة بما يسمى بـالربيع العربي الذي يقول البعض أنه يعكس تخوفاً حقيقيا لدى القائمين على الشبكة من عدوى التظاهرات والانتفاضات الشعبية التي يُخشى من انتقالها إلى أراضي مملكة آل سعود ودول الخليج النفطي عموماً.
يرى بعض المتابعين للشأن الدرامي عدم وجود مشكلة حقيقية أو أزمة في توريد وتسويق ما تنتجه صناعة الدراما السورية على الرغم من كل ما يتردد عن حصار لأعمالها، فهذه الدراما تبقى رهن مزاجية الشركات الداعمة لها وهي شركات تفكر تفكيراً براغماتياً يتعلق دوماً بملء ساعات البث الطويلة والمواظبة على تقديم فرجة تلفزيونية جذابة نجح الفنانون السوريون في ترسيخ عادات مشاهدتها عبر نجومهم وممثلي الصفوف الأولى الذين هاجر بعضهم بأعمالهم إلى دول أخرى وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن ملك التاكسي انتقل من شوارع مدينته التي أحب إلى شوارع مدينة دبي ليستبدل التاكسي بدراجة نارية وتحول صاحب المواقف الرجولية والشهامة السورية إلى سائق دراجة نارية تستقلها معه فتاة من احد دول الجوار وكأننا في مسلسل لعرض الأزياء والدلع في آن واحد وأنا هنا لست بوارد التجريح بأحد لكننا كمتابعين افتقدنا شهامة أبو جانتي ومساعدته لأحد اللصوص في التوبة وإيجاد عمل شريف لنراه يساعد إحدى فتيات الليل من أجل استغباء صديق لها.
ولابد لنا من أن ننتقل إلى الأعمال الفلكلورية والتي تحكي عن فترة العشرينات الثلاثينات من القرن الماضي والتي لاقت رواجاً كبيرا لأنها تبتعد عن الواقع المعاش وترسم صورة تاريخية تحاكي في بعض الأحيان ما نشهده في يومنا هذا.
لقد أصبحت الدراما السورية جزءاً من فلكلور العرض الرمضاني فأصبحت تقليداً على بعض القنوات أن تراعيه لأنها استطاعت جذب عدد كبير من المعلنين والمشاهدين وبالتالي فهذه القنوات عادت حساباتها بخصوص الدراما السورية، وربما يحسب للمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني أنها استطاعت أن تدخل ميدان المنافسة هذا العام ورأب صدع المنتجين الذين انسحبوا من دائرة الإنتاج هذا العام مع أنهم كانوا شركات يحسب لها حساب بهذا الميدان وأقول تأثر رأس المال المخصص للدراما كما تأثرت كل قطاعات المال والأعمال الأخرى والأزمة السورية فرضت شروطها التي تميل إلى التروي والبحث عن إعادة رأس المال على كامل القطاعات الاقتصادية في سورية وليس الدرامي فحسب.
لا يخفى على أحد ما تعرضت له الدراما السورية كما غيرها من قطاعات المجتمع السوري جراء الأزمة الراهنة فشركات الإنتاج المحلية أو الخارجية أوقفت العمل بمعظم المشاريع التي كانت تنفذها بسبب الوضع الأمني والاقتصادي للبلد أيضا التخوف من التسويق الخارجي والذي يعتمد على الخليج بشكل مباشر ولكني أرى أن أي عمل درامي مهما كانت ظروفه هو غير خاسر لأنه في ظل شح هذه الأعمال سواء أكانت في سورية أو في مصر فمن أين ستسد تلك القنوات الفراغ الذي ستتركه الدراما السورية والمصرية.
وخلال هذه الأزمة ظهرت كتابات أحيانا سطحية لا تصل إلى الجوهر وأحيانا من زمن آخر لا يتقبلها المشاهد السوري في هذه الأوضاع فالعمل السطحي في أي موضوع كان لن يقدم للمشاهد أية فائدة كذلك العمل الخارج عن إطار الزمن في هذه الأوقات لن يفي بالغرض وبما أن المؤسسة العامة للإنتاج دخلت في مجال المنافسة فهي مدعوة لأن تقوم بدورها على أكمل وجه فلابد للدراما أن توصل رسائل كثيرة للمجتمع العربي فما على المؤسسة العامة إلا أن تأخذ دورها وأن تنتج أعمالاً تؤثر بالأجيال وتحفز فيهم حب الوطن والمحافظة عليه لأنه عن طريق الدراما يكون التأثير أكبر من أية وسيلة كانت، وصحيح أن الدراما السورية كانت منذ عامين هي الرائدة على مستوى الوطن العربي لكن هذه الأزمة ستفرز أعمالاً متميزة أيضا ولكنها تنتظر الإنتاج الحقيقي.
إن بعض النصوص والأعمال وأقصد بالضرورة العمل الاجتماعي المعاصر فهي إما هربت من زمنها بتجاهل الحدث تماماً. أو أنها لن تبدو قادرة على مواكبته بصفته المتسارعة على هذا النحو، ومن الملاحظ أن الرقابة قد منحت سقفا عاليا في مناقشة الواقع السوري وظهر ذلك عبر مسلسل بقعة ضوء والذي بدء منذ الحلقات الأولى بعرضه للواقع المعاش وسط دهشة المشاهد بتقديم هذه النوعية من الأعمال بعيداً عن مقص الرقيب.
ويبقى السؤال الذي يخطر على كل بال هل ستبقى الدراما السورية صناعة رائدة وهل سنشاهد عودة للشركات المنتجة والعاملين في الحقل الفني إلى أرض الوطن ؟ والى متى سيبقى البعض يتاجر بالأزمة السورية وفي كل المجالات ؟
الصورة من الأرشيف .. والشعب السوري يعتز بمواقف صاحب الصورة الفنان موفق الخاني