دام برس :

يعول النظام التركي على أن تكون قمة المناخ في باريس فرصة لـ "ترقيع" العلاقات خاصة الاقتصادية مع روسيا، في وقت تستمر بها عاصفة السوخوي بتكسير الأصابع التركية في الداخل السوري، والتبادل التجاري الأسود بين نظام أردوغان والميليشيات المسلحة في سوريا بات في أسواء حالاته، بعد تكثيف العمليات الروسية لاستهدافها للقوافل على الطرقات الواصلة بين الأراضي السورية والتركية وبالاتجاهين، فلا أسلحة تدخل ولا نفط يخرج، وإذا ماكان لدى نظام أنقرة أن يعيد مياه العلاقات مع روسيا إلى ساقية الاقتصاد، فإن عليه أن يخضع لجملة من الشروط القاسية، أولها تنفيذ استدارة كبرى في الملف السوري، وعلى الرغم من إن الاستدارة التركية مرهونة بالقرار الأمريكي، إلا أن أردوغان سيذهب إليها بغية التهدئة مع موسكو على الأقل في المرحلة اللاحقة، وأكبر ما يمكن ان يحصل عليه أردوغان في حال قبل بشروط روسيا فيما يتعلق بطبيعة التعامل التركي مع الملف السوري، هو عدم إيقاف الاتفاقيات الاقتصادية الكبرى خاصة في مجال الطاقة النووية والغاز الطبيعي.

وفي باريس أيضاً، سيحاول اوباما أن يأخذ من الرئيس الروسي بعض من المواقف الإيجابية تجاه عمليات التحالف الأمريكي في سوريا، ومن الأكيد إن الجانب الامريكي – أيا كان مستوى اللقاء- سيضع على طاولة النقاش مع روسيا جملة من الأهداف التي لايرغب باستهدافها من قبل المقاتلات الروسية في سوريا، وسيكون لنشر منظومات الدفاع الجوية المتطورة من قبل القوات الروسية في المناطق السورية الأثر الكبير، فإن كانت التقارير الإعلامية تحدثت عن منطقة حظر جوي فرضتها كل من الحكومة السورية والروسية بوجه الطيران الحربي غير المنسق مع أي من الطرفين فوق سوريا، فإن الحسابات الأمريكية تنظر إلى الأمر على إنه إعادة لسيناريوهات الحرب الباردة، فنشر الـ S-400 ومنظومة فرونت ومنظومات "كارسوخا -4”، في سوريا عن وجود مثيلاتها في شبه جزيرة القرم، التي انضمت إلى الاتحاد الروسي، والتي كان من اللافت أن الحكومة الاوكرانية بدأت بمعاقبتها بقطع الكهرباء والتضييق الاقتصادي عليها فور نشر الـ S-400 في سوريا، وفي هذا رسم حزام أمني في مناطق أوسع  لحماية الاتحاد الروسية في حال نشوب حرب مباشرة مع الند الأمريكي أو مع أحد حلفائه، وبات من الضروري لأوباما وحلفائه في الناتو التحسب لتعاظم القوة العسكرية لروسيا، خاصة وإن المقاتلات الروسية في حالة تطوير مستمر، والرئيس بوتين يولي اهتماما كبيرا بالاقتصاد العسكري وتطوير المقدرة العسكرية للجيش الروسي ذاتيا.

وإن كان المعلن من قبل أوباما نفسه، إن قمة المناخ في باريس ستكون "فرصة هامة" للقوى العالمية لمناقشة "محاربة الإرهاب"، فإن الحديث عن القضاء على تنظيم داعش سيكون حاضراً وبقوة، وكنتيجة طبيعية للملموس من التصريحات الفرنسية الأخيرة، فإن فرانسوا هولاند سلم بحتمية التشاركية مع الجيش العربي السوري في الحرب على التنظيمات الإرهابية، وهو تحول نتج عن التقارب الفرنسي الروسي بعيد هجمات باريس، وعلى مايبدو أن بوتين وضع هولاند بصورة واقع العمليات ومعلومات استخبارية لها أن تغير رأي الفرنسي الذي لعب دور "رأس الحربة" طويلا في الهجوم على الدولة السورية، ولن يكون التحول الفرنسي إلا مقدمة لجملة من التحولات الأوروبية.

ويبدو إن مربط الفرس في الملف السوري بات في معارك الشمال أكثر من غيرها، فعلى تلك الجبهات يقاتل الجيش السوري وحلفائه الميليشيات التي يعول عليها الطرف المعادي لسوريا لإحداث أي تغير يمكن الاستناد عليه في العملية السياسية التي ستطلق قبيل نهاية العام الحالي، وﻷن الجيش السوري أسقط في الشمال احتمالات "المنطقة العازلة"، واحتمالات إنشاء عاصمة ثانية واستنساخ التجربة الليبية واليمنية بما يفضي إلى إطالة بقاء الفوضى في الملف السوري، فمن الطبيعي أن تناقش العمليات الروسية على هامش قمة المناخ، ومن الطبيعي أن تبحث كل الأطراف عن التنسيق مع روسيا للحضور في مشهد محاربة الإرهاب، فالمواقف المتشنجة من الدولة السورية لم تعد مقبولة، فالمجتمعات الغربية باتت اليوم مهزوزة بمخاوف من تكرار سيناريو "هجمات باريس" في أي مدينة أوروبية، إضافة إلى المخاوف المتزايدة من تغير البنى المجتمعية نتيجة للهجرة على الرغم من إن عدد اللاجئين السوريين لا يتجاوز الـ 20% من أعداد اللاجئين الواصلين حديثا إلى أوروبا، ويحتاج قادة هذه المجتمعات إلى ما يطمئن "الناخب" في بلدانهم قبل أي عملية انتخابية قادمة في أي من هذه الدول، لذا سيكون من الطبيعي أن تلمس مواقف داعمة لـ "عاصفة السوخوي"، وستجر روسيا الحكومات الأوروبية نحو الحل السياسي في سوريا، وهو حل يراد منه توسيع قاعدة العمل الوطني ضد الإرهاب، لضمان القضاء عليه الأمر الذي يخلق المناخ السياسي المناسب لإجراء أي عملية سياسية من قبيل الانتخابات أو تعديل الدستور السوري.

وسينتج عن اللقاءات على هامش قمة المناخ أثر كبير في جملة من الملفات العالمية، وسواء أعلنت نتائج هذه اللقاءات أو لم تعلن، فإن لمس تبعياتها وما ستحمله من تغيرات على الساحة الإقليمية، وفي الملف السوري تحديداً لن يكون بالامر الطويل، وسيكون من الطبيعي أن تظهر توافقات كبرى في ملف محاربة الإرهاب وهي مجرد مقدمات لإعلان التوافق على الملف السوري، ويبدو إن "معجزة بوتين" في تشكيل جبهة عريضة لمحاربة الإرهاب لم تعد أمرا مستحيلاً، إذ إن العالم ككل لم يعد لديه خيار سوى محاربة الإرهاب، لكن هذه الجبهة لن تكون قادرة على تنفيذ عملها، إن لم تضبط أمريكا إيقاع التنسيق التركي السعودي القطري لدعم الميليشيات المسلحة في سوريا، خاصة وإن هذه الدول الثلاثة تدير ملف الاستثمار في الإرهاب في الداخل السوري.

عربي برس - محمود عبد اللطيف