ثلاثة  رؤساء عرب حلّوا، بالامس، ضيوفاً على «القيصر» الروسي. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الاردني عبد الله الثاني وولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تقاطروا الى موسكو، حيث يقام معرض للصناعة العسكرية الروسية، وعلى هامشه اجريت مشاورات بشأن الازمة السورية والتهديد الذي يمثله تنظيم «الدولة الاسلامية - داعش» على الامن الاقليمي والدولي.
ويأتي هذا التوافد العربي المثير للانتباه الى موسكو، في سياق زيارات عدّة قامت بها وفود حكومات اقليمية للعاصمة الروسية، فيما يتوقع ان يعقبه وصول مسؤولين ايرانيين لاختتام مفاوضات حول شراء طهران انظمة الدفاع الروسية «اس 300».
وحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرضا جويا أقيم في جوكوفسكي بالقرب من موسكو. وجلس الرئيس الروسي خلال العرض بين الملك عبد الله الثاني والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بينما انطلقت الطائرات الروسية الصنع فوق رؤوسهم وحلقت في تشكيل استعراضي.

وليس من المتوقع أن تعقد سوى القليل من الصفقات خلال المعرض العسكري من جانب شركات يسيطر عليها الكرملين، لكن مصادر ديبلوماسية عدّة اشارت الى ان جدول اعمال المشاورات التي يعقدها بوتين مع الملك الاردني وولي عهد ابو ظبي والرئيس المصري يشمل قضايا اقليمية من بينها الازمة السورية وتهديدات «داعش»، في اطار المسعى الروسي لتشكيل تحالف اقليمي ضد التنظيم المتشدد.
وبرغم اهمية حضور الملك الاردني وولي عهد ابو ظبي الى العاصمة الروسية، الا ان زيارة السيسي استحوذت على الاهتمام الاكبر، بالنظر الى الدخول المصري المباشر على خط الازمة السورية، من خلال استضافة القاهرة اجتماعات بعض الفصائل السورية المعارضة من جهة، والتباين الذي تبدى في الفترة الاخيرة بين المقاربتين المصرية والسعودية ازاء الصراع في سوريا، فضلاً عن وصول العلاقات المصرية - الروسية الى درجة التقارب الاستراتيجي، للمرة الاولى منذ العهد الناصري.
ولذلك، فمن الصعب حصر أهمية زيارة السيسي لروسيا في اطار تعزيز العلاقات بين البلدين، فقد جرت مناقشة كل جوانب العلاقات الثنائية في الزيارات المتبادلة السابقة، كما أن التعاون الاقتصادي والتنموي في شتى المجالات يمكن أن يسيّره الوزراء والمسؤولون المختصون كل في مجاله.
وبالتالي، لا يمكن بحال من الأحوال فصل الزيارة عن الحراك السياسي الذي تقوده الديبلوماسية الروسية لحل الازمة السورية.
وخلال الشهرين الماضيين، استقبلت القيادة الروسية وفد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، كما تستعد موسكو لجولات تفاوض جديدة مع المعارضة السورية، فيما جرت مشاورات رفيعة المستوى بين المسؤولين في روسيا ووزراء خارجية سوريا والسعودية وايران.
وبدا الجهد الروسي في حل الأزمة السورية واضحاً، منذ توقيع الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، وخلال الفترة الماضية، سار هذا الحراك الديبلوماسي بخطى سريعة، حتى ثارت التوقعات بقرب حل الأزمة السورية بناء على توافق روسي - أميركي، لولا تمسك الفرقاء بالمواقف المتباينة من مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
وتتزايد اهمية زيارة السيسي لموسكو، بتزامنها مع زيارتي الملك الاردني وولي عهد ابو ظبي.
وكان ملفتاً ان السيسي استهل زيارته للعاصمة الروسية باجراء محادثات مع الشيخ محمد بن زايد، مباشرة عقب مراسم الاستقبال الرسمية.
وبحسب المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف فقد «تم خلال اللقاء استعراض التطورات والمستجدات التي يشهدها عدد من دول المنطقة، حيث تطابقت رؤى البلدين بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتم التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمواجهة الأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي، وكذلك السلم والأمن الدوليين، لا سيما في ظل اتساع دائرة انتشار الإرهاب».
ولم يعد خافيا التباين بين الموقفين المصري والخليجي بقيادة السعودية في ما يتعلق بالملف السوري، فبينما ترى السعودية، ومن خلفها دول خليجية اخرى، أن أي حل في سوريا يبدأ بإبعاد الرئيس بشار الاسد عن المشهد السياسي، ترى مصر متفقة مع روسيا أن مواجهة خطر الإرهاب وخاصة «داعش» هو الأولوية، وترى ان للأسد دورا في تلك المواجهة، بل تعتبر أن اي غياب مفاجئ للأسد عن المشهد السياسي يهدد بانهيار سوريا وتكرار مشهد التشرذم الليبي.
لذلك، فإنه من البديهي أن تبذل روسيا جهدا لإقناع الأطراف الإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية ببعض المرونة في الموقف من الأسد، وهي رسالة عبرت عنها موسكو بوضوح خلال زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مؤخرا. ويبدو ان روسيا تسعى الى دعم مصري - اردني لتليين مواقف الخليجيين، الذين يعتبرون حلفاء للقاهرة وعمّان.
وفي هذا الاطار، قال سفير مصر السابق لدى روسيا عزت سعد، في حديث الى «السفير»، ان «وجود ملك الأردن وولي عهد أبو ظبي في موسكو أثناء زيارة الرئيس المصري يمكن أن يكون محض صدفة، فهما موجودان حاليا لحضور معرض روسي مهم في مجال الفضاء والطيران، والعلاقات الروسية الإماراتية متينة للغاية خاصة على المستوى الاقتصادي. كما أن الأردن على وشك توقيع عقد مع موسكو لبناء محطة نووية».
ويضيف سعد «يجب قراءة الزيارة في إطار جهود الرئيس المصري لتسويق المنطقة الاقتصادية في قناة السويس ودعم تعافي الاقتصاد المصري، لأنها تأتي أيضا في سياق التحضير لزيارات أخرى بأهداف اقتصادية لدول آسيوية».
ولكن البعد السياسي يبدو حاضراً في الزيارات العربية للعاصمة الروسية، وهو ما يؤكد عليه سعد قائلا «يجب أن نعترف بصعود الدور الروسي في المنطقة بشكل ملحوظ. فروسيا طرف مؤثر سواء في الملف السوري أو ملفات إقليمية أخرى. ولا يمكن تجنب ذلك خلال الزيارة، والأرجح أن الوضع الإقليمي سيكون له نصيب مهم في الزيارة. كما أن وجود ثلاث شخصيات عربية مهمة في روسيا، في توقيت واحد، يحمل دلالة لا يمكن تجاهلها، حتى ولو كان مصادفة. وبالتأكيد ستتم الاستفادة من وجودهم في موسكو في نفس الوقت».