Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 20:05:26
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
الخيارات التركية بعد الانتخابات والاتفاق النووي

دام برس :

يعيش الحكم في تركيا هذه الأيام أوقاتاً عصيبة، فنتائج الانتخابات الأخيرة أدخلت الكرد إلى البرلمان بحوالى 70 نائباً لأول مرة في تاريخهم. فيما يزداد الضغط على الرئيس رجب طيب أردوغان من الداخل والخارج، لاتخاذ موقفٍ حاسم يجنب البلاد خطر تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى التي تتجول على طرفي الحدود مع سوريا. وبعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، وجدت القيادة التركية أن الكسب غير المشروع الذي يقول خصومها إنها حققته طوال السنوات الماضية من الاستثمار على الإرهاب في المنطقة، قد تحول إلى عبءٍ قد يحيل المكاسب التكتيكية كلها إلى خسارةٍ استراتيجية تهدد وحدة تركيا نفسها.
من هنا، لا بد من التفريق بين الاهتمامات الاستراتيجية لأنقرة، وبين الوسائل التكتيتية التي كانت تستخدمها في السنوات الماضية لابتزاز الدول الأخرى. ففي الاهتمامات الاستراتيجية، يتصدر موضوع منع الكرد من الحصول على دولة مستقلة رأس أولويات تركيا؛ ويأتي بعده على سلم الأولويات، تثبيت مكانة البلاد كمركز لتصدير الغاز من دول المنطقة، ومن روسيا، إلى أوروبا.أما في التكتيك، فإن القيادة التركية عملت على مبدأ أن كل شيء مشروع، بما في ذلك تحويل حدودها إلى حاضنة دافئة لنمو الوحوش الإرهابية. لذلك فإن لحظة الحقيقة التي دنت، تضع تركيا أمام التركيز على اهتماماتها الاستراتيجية في مقابل التخلي عن أساليبها التكتيكية.وفي سبيل ذلك، توصّل الأتراك والأميركيون إلى تفاهم في الأيام القليلة الماضية على التعاون في مكافحة الإرهاب، فتِحت على أثره قاعدة "إنجرليك" أمام الطائرات الأميركية لقصف "داعش" في سوريا، وبدأت تركيا نفسها حملةً ضد التنظيم ما لبثت أن تحولت إلى حرب على "حزب العمال الكردستاني" بصورة رئيسة، وتشير الأرقام المتوافرة عن الطلعات الجوية التركية بعد الاتفاق إلى أن ما يفوق 90% من هذه الطلعات استهدفت حزب العمال، بينما استهدفت الطلعات المتبقية تنظيم "داعش".
لقد تحول الاتفاق هذا إلى مثار جدلٍ كبير بعد التصريحات التركية التي تقول إنه تضمن إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، الأمر الذي نفاه الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، مؤكداً أن شمال سوريا لا يندرج تحت إطار منطقة آمنة أو حظر للطيران نظراً إلى أن طائرات التحالف هي الوحيدة التي تحلق في تلك المنطقة. وزاد فوق ذلك أن بلاده لا تقدم ضمانات بعدم استهداف جبهة النصرة في الأراضي السورية، وبالتالي فإن كل رهانات تركيا على تحويل التنظيمات الإرهابية إلى معارضة سورية معتدلة قد باءت بالفشل.وبالعودة إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإن الصدمة التي تلقاها حزب العدالة والتنمية الحاكم، فاقت كل التوقعات التي سبقت الاستحقاق، بما في ذلك توقعات صحيفة "واشنطن بوست" في حزيران الماضي بأن يحوز الأكراد على 50 مقعداً. وكانت أولى الارتدادات لهذه النتائج، سقوط طموح أردوغان بتحويل النظام السياسي للبلاد إلى نظام رئاسي، وتشديد قبضته على مفاصل الدولة حتى يتمكن من إتمام مشروعه.ولكن تركيا ليست أردوغان وحزبه وحدهما، هي أيضاً دولة كبرى في المنطقة، والدول تغامر ولكنها تحتفظ بحدٍ أدنى من حسابات التعامل مع سيناريو الفشل، فقد أتى الاتفاق مع الأميركيين نتيجةً لجهودٍ بدأها الطرفان لإبعاد المقاتلين المتطرفين عند حدودهم الجنوبية، وتحدثت عنها صحيفة "نيويورك تايمز" في الثاني من حزيران الفائت، حتى توصلوا إلى الصيغة التي تحدثنا عنها، والتي خرجت حول مضمونها تحليلات كثيرة.
وبالاستناد إلى نتائج اهتزاز قدرة "العدالة والتنمية" على تسيير النظام أحادياً، وتقدم الأهداف الاستراتيجية التركية المتعلقة بمنع الكرد من تنمية قدراتهم وصولاً إلى الانفصال، إضافةً إلى الضغط الأميركي على تركيا لسلوكٍ جديٍ في محاربة الإرهاب، كان لا بد من بدء ما يشبه التحول في السلوك التركي حيال الأزمة السورية تحديداً.لقد صرح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بأن النصرة كما داعش منظمتين إرهابيتين، وعلى الرغم من قصف الطائرات التركية الخجول لداعش مقارنة بقصفها لحزب العمال الكردستاني، فإن الخطوة التركية الجديدة تفيد سوريا من ناحية التضييق على إمدادات السلاح لداعش، أو على الأقل شيوع رؤية واحدة لدى كل الأطراف تفيد بتصنيف التنظيمات المتطرفة كمنظمات إرهابية.
 ولكن ما البديل الذي تسعى إليه تركيا، خصوصاً وانها لم تتخل عن طموح إسقاط النظام في سوريا؟في هذا المجال، تحاول تركيا التوصل إلى صيغة ترضي الأميركيين، وتحقق هدف إسقاط النظام في الوقت نفسه، وهي تلعب في هذا المجال ورقة تقوية المقاتلين التركمان المنتشرين على الحدود التركية - السورية، وتسعى إلى تدريبهم وتسلحيهم ومن ثم تحويلهم إلى معارضة معتدلة مقبولةٍ أميركياً. هذا الأمر أدى في خطوته الأولى إلى استفزاز جبهة النصرة التي كانت تراهن على أنها الحصان التركي المفضل لخليفة داعش في مناطق سيطرتها. فقامت النصرة بخطف أعضاء "المجموعة 30" الذين دربتهم المخابرات الأميركية وأرسلتهم إلى سوريا كطرفٍ معارض موثوق فيه، وهم بالمناسبة من التركمان، ما يؤشر على فداحة مأزق أردوغان بخصوص الأزمة السورية.إذاً، تركيا غير قادرة على إسقاط النظام السوري، خصوصاً بعد المستجدات الأخير في المنطقة، وهي غير قادرة على خلق معارضة سورية معتدلة تكون حليفاً مطمئناً لها، وفي الوقت نفسه هي مضطرة للتخلي عن "داعش" و"النصرة"، كما أنها لا تستطيع السير وفق الإرادة الأميركية المتغيرة باتجاه التقارب والتفاهم مع إيران. هذا التقارب الذي تراه واشنطن اليوم أهم منجزات فترة أوباما الثانية، ولا تريد المخاطرة فيه من أجل طموح أردوغان. فما هي خيارات أردوغان الأخرى؟إستناداً إلى المقدمة التي بدأنا بها، تجد القوى الإقليمية، وتركيا منها، أن المجالات اليوم مفتوحة لحركة تعاون ثنائي بين الدول المؤثرة في المنطقة، بما يتجاوز التحالفات السابقة مع القوى الكبرى، والتي لطالما فرزت دول المنطقة إلى حلفاء لأميركا ومحور المناهضين للسياسة الأميركية.
من هنا، يلاحظ في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في السنة الأخيرة، أن هناك تقارباً تركياً مع روسيا من جهة، ومع إيران من جهةٍ أخرى، من دون التخلي عن موقع أنقرة كعضو في "الناتو"، أو عن العلاقة مع واشنطن، وهي في هذا السياق دعت دول "الناتو" الى الانعقاد وفق المادة الرابعة من ميثاق الحلف، ومساندتها لأنها تشعر بتهديدٍ لأمنها من قبل "داعش" والكرد.بالنسبة للعلاقة مع روسيا، فإن قاعدتها الجديدة هي إمدادات الطاقة التي فتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أفقاً واسعاً لها عندما ألغى مشروع "السيل الجنوبي" لمد الغاز الروسي عبر البحر الأسود إلى بلغاريا متجنباً تركيا، واستبداله بخط يمر من روسيا إلى تركيا عبر البحر نفسه تحت مسمى "السيل التركي"، الأمر الذي يعطي تركيا مكانةً اقتصادية هامة خلال العقود المقبلة. أكثر من ذلك، أكملت روسيا خطوتها هذه بتوقيع مذكرة تفاهم مع اليونان في 19 يونيو / حزيران الماضي، للتعاون في بناء وتشغيل خط أنابيب لنقل الغاز عبر الأراضي اليونانية، يكون امتداداً لخط "السيل التركي". وهنا يمكن تلمّس سياسة استقطاب روسية موجهة للدول التي تعاني صعوبات في علاقاتها مع الغرب، من مصر إلى تركيا إلى اليونان والسعودية، فيما الاستقطاب المقابل من قبل الأميركيين يتمحور بالدرجة الأولى حول إيران.كما أن الروس والأتراك تعاهدوا على زيادة حجم التعاون التجاري بين البلدين من الرقم الحالي البالغ 33 مليار دولار إلى 100 مليار مع نهاية العقد الحالي، فتركيا هي ثاني أكبر سوق لصادرات الغاز الروسي بعد دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، وفي مجال التعاون التكنولوجي والفضائي، أبرمت مؤسسة البحوث العلمية والتكنولوجيا التركية "توبيتاك" اتفاقاً مع معهد البحوث الفضائية الروسية وجامعة "كازان" للتعاون بينهما في مجال استكشافات الفضاء، وبالتالي فإن تطور العلاقة يسير بوتيرةٍ سريعة، لا يماثلها إلا التحولات الإيجابية المرتقبة في مسار الحل في المنطقة خلال الأشهر القادة.
أما من ناحية العلاقة مع إيران، فإن الصبر الإيراني على السلوك التركي في المنطقة خلال السنوات الماضية بدأ يثمر تقارباً بين أنقرة وطهران، باتجاه التعاون في شأن الحل في المنطقة وفي سوريا. ضرب "داعش" يصب في مصلحة هذا التقارب، ولكن عمقه مرتبط أيضاً بالمصالح الاقتصادية، فزيارة أردوغان الأخيرة إلى طهران كانت مؤشراً هاماً على ذلك، حيث صرّح الرئيس التركي بأن لقاءه "المهم والعميق" بالرئيس الإيراني "تطرق بشكلٍ أساسي إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بالإضافة إلى الوضع الأمني والسياسي في المنطقة"، وأنه تم "الاتفاق على التعاون بين إيران وتركيا على مختلف الأصعدة، واعتبر أن هذا التعاون يمكن أن يمثل نموذجاً لبلدان المنطقة"، مشدداً على "ضرورة التحاور من أجل حل الأزمة في سوريا والعراق".وركّز أردوغان على شعوره بالأسى لمقتل "المسلمين" في سوريا، في إشاره تقارب مع النظام الإسلامي في إيران، قائلاً: "في سوريا قُتل نحو 300 ألف شخص مسلم، ونحن لا نعلم من يقتل على يد من، وأنا لا أتحدث عن القضايا المذهبية لأن المهم لدي هم المسلمون والإسلام وعلينا أن ننظر إلى الأمور من منظار الإسلام".

هذه الوداعة الإسلامية في تصريح أردوغان من طهران، ربطها في التصريح نفسه بالمصالح الاقتصادية. فبعد توقيع 8 مذكرات تفاهم اقتصادية مع إيران، أشار أردوغان "إلى وجود عقبات في الميزان التجاري بين البلدين كونه يميل لصالح إيران"، خاصة لجهة ثمن الغاز الطبيعي الذي تدفعه تركيا لإيران، إلا أنه أكد أن لدى البلدين الاستعداد اللازم لاتخاذ "خطوات كبيرة" لتذليل هذه العقبات.وعليه، واستناداً إلى فرضية أن نهاية الجزء الأهم والأكبر من الأزمة في سوريا مرتبط بموقف تركيا من محاربة الإرهاب، وبمدى جديته، فإن بوادر التحول التركي قائمة وتتقدم بسرعة، وستتجلى بشكلٍ أوضح خلال الأشهر القادمة.

الوسوم (Tags)

تركيا   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz