دام برس :

أكدت تقارير إعلامية مقتل وجرح نحو 40 مسلحا في تفجير "عربة مفخخة" في منطقة "حور كلس" القريبة من مدينة مارع بريف حلب الشمالين وبحسب التقارير فإن المستهدفين كانوا في اجتماعاً في أحد مقرات ميليشيا "الجبهة الشامية" في المنطقة، من بين القتلى بحسب الصفحات الموالية للميليشيات المسلحة " أبو ماريا البابي" أحد أمراء النصرة في الريف الشمالي لحلب، وأبو مريم العسكري أحد أبرز القادة الميدانيين للجبهة الشامية، إضافة إلى عدد كبير من القيادات الميدانية للميليشيات المرتبطة بالإخوان والنصرة في المنطقة.

 المعلومات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي أفادت إن المستهدفين كانوا في اجتماع لتكثيف الجهود والتمدد نحو الشرق في المناطق التي يسميها داعش "أرض الخلافة"، في حين أن الهجوم الذي عقب التفجير الأول بمفخخة ثانية على ذات المنطقة ومن ثم رمايات كثيفة للرشاشات الثقيلة عبر عناصر داعش يؤكد أن التنظيم عازم على أخذ المناطق التي تنتشر فيها جبهة النصرة وحلفائها في الشمال السوري بما في ذلك إدلب، فقبل أيام أعلنت قيادات تنظيم داعش في مساجد الرقة إنها ستأخذ إدلب، فلا دولة إلا "الخلافة الإسلامية وخليفتها البغدادي".

هجوم داعش بدأ انطلاقاً من مدينة الباب، التي تبعد نحو 15 كم جنوب شرق مارع، والهدف على ما يبدو السيطرة على مارع ذات البعد الاستراتيجي الكبير في معركة الشمال بين التنظيمات الجهادية، فتل رفعت ومناطق هامة مثل اعزاز ستكون سهلة بالنسبة للتنظيم في حال أخذه لمارع، ولكن الهدف الحقيقي هو دخول التنظيم إلى حلب وفرض سيطرته على المناطق الشرقية من المدينة بعد القضاء على الميليشيات الموجودة في المدينة، وبذلك تكون خطة داعش ترمي إلى قطع التواصل بين مسلحي حلب وريفها من خلال حرب جهادية لن تكون المفخخات إلا واحدة من وسائلها، وبالتالي يكون الزحف الداعشي نحو مناطق الغرب سهلاً، من خلال أخذ البيعة قسراً من مقاتلي الميليشيات وزيادة نفوذ التنظيم، يكون هدف التنظيم مد نفوذه نحو المناطق التي تتواجد فيها النصرة في محيط إدلب ومن ثم إدلب المدينة، وفي هذه الحالة يخرج التنظيم من حساباته المعركة مع الوقات السورية مرحلياً لتكون المواجهة مع القوات السورية بعد أن يتم حربه الجهادية، وفي مثل هذه الحرب تبدو خيوط اللعبة الدولية واضحة المعالم.

فالأتراك بعلاقاتهم القوية بكلا الطرفين ينظرون إلى تنظيم داعش على إنه الأقوى فعلاً لكنه صعب الترويض، وبالتالي فإن العلاقة بين المخابرات التركية والتنظيم هي علاقة ندية، إذ يفاخر داعش في منشوراته أن المخابرات التركية تخاف من ردة فعله في المدن التركية وخاصة أنقرة واسطنبول إذا ما تم اعتقال الجهاديين الذي يعبرون الحدود التركية إلى سوريا، ومن خلال هذه الفكرة يمكن فهم العلاقة التي تربط بين الطرفين، فآخر ما يفكر فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو إثارة حفيظة قيادات داعش، الأمر الذي قد يضعه أمام حساب عسير في تركيا على المستوى الداخلي بكونه من ورط البلاد بالملف السوري، لكن أردوغان وثلته أيضاً ينظرون إلى جبهة النصرة وبقية الميليشيات المرتبطة بها أو بالإخوان على إنهم الآداة الطيعة التي يمكن تشغيلها ودفعها إلى أي من المناطق السورية، وعلى ذلك يمكن اعتبار النصرة يد المحور التركي القطري في الشمال السوري، وهي تلعب ذات الدور بالنسبة لإسرائيل في الجنوب، وعلى ذلك لابأس بالنسبة لتركيا من هجوم عنيف ينفذه داعش على النصرة، ومن ثم الوساطة لوقف المد الداعشي وإنهاء معركة جهادية في هذه المنطقة أو تلك، فيضمن من جهة العلاقة مع داعش، ومن جهة أخرى يضمن ولاء النصرة وتوابعها.

أخذ إدلب من النصرة عقوبة تركية قطرية للقيادات النصرة إذا ما بقيت على موقفها الرافض لدخول حكومة "الإئتلاف المعارض" وبالتالي يمكن اعتبار تهديد داعش للنصرة في المناطق الشمالية ورقة الضغط التركي على رجالات أبو محمد الجولاني في الشمال السوري لقبول "العاصمة الثانية" ليصار إلى طرح مشروع المنطقة العازلة من باب خلق الندية السياسية في سوريا، بحيث يكون القرار الدولي إذا ما تم بحجة حماية هذه الحكومة وخلق عملية سياسية في سريا بين حكومتين سوريتين و عاصمتين للبلاد، وهي في ذلك تنقل التجربة الليبية إلى سوريا، ويأتي هذا المشروع التركي بعد أن فشلت المساعي الأمريكية بإقناع السوريين بمبادرة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا "ستيفان دي ستورا" الذي حاول دفع دمشق إلى الموافقة على مبادرته دون ضمانات دولية أو من قبل المسلحين، الأمر الذي لا تقبله دمشق، لإن المبادرة في هذا الشكل ستكون لخلق منطقة عازلة بطريقة غير مباشرة ومن ثم تنقل "حكومة لإئتلاف" إلى الأحياء الشرقية من حلب لتكون العاصمة، وهذا ما كان واضحاً بالنسبة للسوريين الذين وافقوا على تجميد القتال وفق شروطهم التي تضمن سلامة العملية السياسية وسيادة سوريا.

صراع أبو محمد الجولاني زعيم النصرة، و أبو بكر البغدادي خليفة داعش على السيطرة على الساحة الجهادية في سوريا الورقة الأخيرة التي يلعب بها أعداء سوريا في الحفاظ على الأزمة في البلاد، وإن كان التسابق التركي لإسرائيلي لخلق المناطق العازلة بغية تحقيق الكسب السياسي والاقتصادي الاكبر من الملف السوري محتدم وعلى أشده، فإن المستفيد من هذا الصراع الدولي الجهادي هو سوريا أولاً وأخيراً، فالقاعدة البسيطة في علوم الحرب تقول: لا ضير من التفرج على أعدائك وهم يصفون بعضهم.

عربي برس - محمود عبد اللطيف