Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 12:08:09
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
درسٌ فرنسي قاسٍ، أم بروفا للصراع القادم الى أوروبا؟

دام برس :

كتب حسن غندور في سلاب نيوز .. للوهلة الأولى، عندما قرأت الشريط العاجل الإخباري عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف صحيفة فرنسية، شعرت أنّ الخبر عن العراق أو سوريا أو اليمن أو فلسطين، وبشكلٍ عفوي ومباشر، وفيه بعضُ الحنق، سألت نفسي مستنكراً: "لماذا لا يدين بان كي مون وأوباما والمجتمع الغربي الحنون والمناهض للإرهاب هذه الاعتداءات؟". وقبل أن أستكمل استنكاري الذي لا طائل منه ولا فائدة، عاد الخبر العاجل في الشريط الإخباري وعدت لأقرأه من جديد، لأجد أنّ الهجوم حصل في فرنسا، وأنّ الصحيفة المستهدفة هي صحيفة "شارلي إيبدو" الكاريكاتورية الساخرة، هي عينها نفس الصحيفة التي تجرأت على مقدسات المسلمين منذ مدة، وهي نفسها التي صوّرت ميلاد المسيح بأبشع صورة منذُ عدة أيام، هي نفسها التي تتماهى وباسم الحرية وقدسيتها بضرب أقداس الأديان بالتكافل والتضامن مع منظومة أخرى من الصحف، وصولاً الى "يولاند بوسطون" الدانماركية التي أجّجت شرارة الاحتجاج الإسلامي على منشوراتها مطلع 2006، والتي تبيّن لاحقاً ارتباطها بمنظومة إعلامية دولية تكرّس مفاهيم صموئيل هننغتون وبرنارد لويس لصراع الحضارات.

حينها، كانت دول الاسكنديناف المتمثلة بالدنمارك والنروج والسويد تغرّدُ في سياستها الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خارج السرب الأوروبي المنبطح تحت أقدام الصهيونية العالمية، فالسويد هي الوحيدة التي دعت حماس لزيارتها آنذاك، والطلاب النروجيون اعتصموا على الجدار العنصري رفضاً لبنائه، وسقط منهم طالباً جامعياً يومها في المواجهات، والدنمارك، وبالرغم من استلام اليمين المحافظ الحكم حينها والمتمثل برئيس الوزراء فوغ اندرسون راس موسن (الذي أصبح لاحقاً قائداً أعلى لقوات الناتو في فترة الهجوم على ليبيا)، إلّا أنها كانت تنادي بحقوق الشعب الفلسطيني وبحل القضية الفلسطينية، وهي أول من قاطع البضائع "الإسرائيلية" إبان حرب الرصاص المسكوب في 2008 وخلال عمليات توسيع الاستيطان.

لذلك، سعت المنظومة العالمية لإدارة الصراع بين الحضارات وتشويه صورة الإسلام أمام الغرب الى ضرب تلك العلاقة عبر الدعم والإيعاز لصحيفة يولاند بوسطون وغيرها لنشر تلك الرسوم المسيئة لرسول المحبة والسلام، محمد صلى الله عليه وسلم. فكانت ردات الفعل المتعاظمة والعنفية أحياناً من قبل المسلمين الرافضين لتلك الإساءة آنذاك، لتعزّز الشرخ القائم بين الإسلام والغرب وتدكّ آخر مداميك التواصل والحوار والدعم والمساندة في تلك الدول.

فرنسا، العلمانية الدين والدولة، سبقت نظيراتها من الدول الأوروبية في الاستعداء الممنهج للإسلام بأشواط كثيرة، وريادة هذا الاستعداء عبر منظومة القوانين المجحفة والمتشددة تجاه المسلمين وصولاً الى قمع الحرية الفردية للمسلمة والمتمثل بارتدائها الحجاب، ووصلت في استعدائها هذا الى قيادة المؤامرات الدولية لضرب وتشويه الإسلام، ولا يخفى على أحد الدور الشيطاني التخريبي للفرنسي اليهودي الأصل برنارد هنري ليفي ومنظومته المتحكمة بمفاصل الحكم والسلطة في فرنسا.

لقد قادت فرنسا في السنوات الأخيرة، تارةً تحت شعار حرية الشعوب، وتارةً أخرى تحت مسمى محاربة الإرهاب، مؤامرة كبرى مباشرة وغير مباشرة بكافة الاتجاهات من التحريض على قلب الأنظمة الى دعم الإرهاب في سوريا، كما كشفت كتابات تيري ميسان الى الصراع الداخلي في فرنسا نفسها بين المسلمين وباقي مكونات المجتمع الفرنسي، وصولًا الى مخطط تصدير الإرهاب الذي تنامى في فرنسا وكل أوروبا بشكلٍ عام كنتيجةٍ طبيعية لتغذية التطرف وصناعاته في غرف المخابرات الاوروبية والبريطانية بشكلٍ عام والفرنسية بشكلٍ خاص.

إنّ أوروبا التي تعاني من تعاظم الوجود الإسلامي في تركيبتها المجتمعية السكانية، والذي بات يشكل تهديداً وجودياً لأوروبا كلها في ظلّ ضعف الإخصاب والكهولة العمرية للشعب الاصلي، بدأت تواجه خطراً أكبر هو خطر التطرف الإسلامي، الذي نمته ورعته وقادت من خلاله الحرب غير المباشرة على الدول الغنية بمواردها لإحكام السيطرة الاستعمارية عليها ونهب ثرواتها من دون اللجوء الى الغزو التقليدي الذي بات مستحيلاً في ظل غياب الرغبة الفردية للمواطن الاوروبي في الانخراط في الجيوش.

صحيحٌ أنّ من الأسباب المباشرة لهجوم اليوم هو الصورة الكاريكاتورية التي رسمها أحد الرسامين الأربعة الذين قتلوا اليوم والتي تسخر من "الخليفة البغدادي"، وقد جاءت في سياق الرد على الإهانة، إلّا أنّ هذا لا يخفي الأسباب والخلفيات الأخرى وراء هذا الهجوم في التوقيت والرسائل. من جهة، كان الهجوم في توقيته يحاكي مناخاً أمنياً مستجداً على أوروبا بأكملها، يترنّح تحت ضغط مواجهة تداعيات الحرب في الشرق الأوسط والحرب القادمة على أوروبا بين أميركا وروسيا، والتي ستشكل أوروبا إحدى ساحات المواجهة فيها بكل أشكالها الاقتصادية والأمنية والسياسية، ومن جهة أخرى، جاء هذا الهجوم الملتبس في سهولة تنفيذه وآلية تصويره والحديث عن سبب الغياب الأمني والحماية وعن انعدام وجود كاميرات مراقبة لهكذا موقع مهدّد سابقاً، ليعزّز النظرية التي تعبتر أنّه جاء توطئة لمشروع ما يُبرّر له من خلال هذا العمل الإرهابي كذريعة، ويشكّل بداية مرحلة من التصادم الإسلامي المباشر داخل أوروبا بين مسلمي أوروبا وحكوماتهم، وهذا ما حذّر منه مؤخراً الكاتب والمؤرخ الأمريكي اليهودي المعارض نعوم تسومسكي عن مغبة انتقال الصراع الإرهابي والتطرف العنفي الى اوروبا.

إنّ ما جرى اليوم في فرنسا، وقبله الهجوم الذي استهدف شرطيين أيضًا في فرنسا، وقبله في أوستراليا، وفي السويد، والهجوم على المطعم اللبناني الذي يرتاده أوروبيون في أفغانستان، هو نتيجة طبيعية لارتداد كرة النار التي أشعلتها أوروبا على الضفة المقابلة للبحر المتوسط، وهذا يذكرها بكلام الرئيس الأسد وتحذيره المتكرّر من مغبة اللعب بالنار، ومن عاقبة خضوع الدول والحكومات والرؤساء للمنظومة الإرهابية الدولية المتمثلة بالصهيونية التي لا توفر عدواً ولا حليف، إنهم أسياد سادة الدول المنبطحة التي تخضع وتنفذ ولا تتفكر العواقب والأثمان.

في تفجير اليوم درسٌ هام لمن لا يزال يمعن في اللعب بالنار ولا يتّعظ، وما زال يرى في البلطجة والهيمنة الاميركية خيمة تحميه وتحمي نظامه وأمنه ومصالحه.

اليوم، أطفال مدرسة عكرمة، وأطفال العراق وفلسطين وليبيا الذين سبقت يد الإرهاب إليهم، إرهاب هولاند وبرنارد هنري ليفي وباقي الأدوات، نظرت إليهم من عليائها نظرة الشفقة والاحتساب.
ا

ليوم، ندد العالم كله مستنكراً وشاجباً، والضمير العالمي نفسه، غفل عن تفجير اليمن الإرهابي صباح اليوم، وغفل قبله عن تفجيرات العراق وممارسات القتل في فلسطين المغتصبة.

اليوم، لم يفهم العالم حقيقة الرابط بين هجوم اليمن وهجوم الصحيفة الفرنسية، لأنهم في قرارة أنفسهم يعلمون جيداً أنّ القاتل المتسلسل ذاته الذي يقتل هنا وهناك، قد يبكي على الدماء التي لطخت سكينه (الفرنسية)، ولا يبكي على الضحية!

سلاب نيوز

الوسوم (Tags)

فرنسا   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz