Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 25 نيسان 2024   الساعة 10:36:56
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
قراءة في استراتيجية داعش

دام برس :

كتب عمر معربوني في سلاب نيوز .. يستخدم الكثيرون منّا مصطلح الإستراتيجيا ويقرأ هذا المصطلح يومياً عشرات ملايين البشر الذين لا يعلم أغلبهم ماذا تعني هذه الكلمة على وجه الدقّة.
والإستراتيجيا هي الخطة الشاملة لقيادة الصراع والتي تشمل الأهداف الكبرى والوصول الى الغايات المرجوّة، وهي تتضمن أيضاً تفاصيل مراحل الخطة من خلال وضع عناوين تفصيلية لكل مرحلة من مراحل الصراع بحسب الأوضاع والظروف والإمكانيات.
وعلى عكس الكثيرين ممّن يعتبرون "داعش" جزءاً من مؤامرة أو مخطط خارجي فإنني في هذا المقال سأستعرض أهم جوانب نشوء "داعش" إنطلاقاً من مسار هذا التنظيم وفهم آلياته وطبيعة ممارساته حتى لحظتنا هذه.
إنّ تنظيم "داعش" وإن كانت ظروف نشأته مرتبطة بما حصل في المنطقة من خلال الهجمة المخططة لا يبدو أنّه جزء من هذه الخطة بقدر ما يتم استثمار أفعال هذا التنظيم من قبل المخططين لمشروع الشرق الأوسط الجديد وتماهي أهدافهم في أكثر من مكان مع أهداف "داعش".
فحتى اللحظة لا يبدو أنّ أميركا والحلف الذي أنشأته يرغبون في القضاء على "داعش" بقدر ما يتجهون الى محاولة رسم خطوط حمراء لحركة هذا التنظيم وهذا ما تدل عليه الوقائع، حيث لم تتحرك أميركا عسكريًا إلّا عندما بدأ "داعش" يشكل تهديداً على اقليم كردستان وبغداد.
وحتى لا نعتبر أنّ رأينا هو نهائي وغير قابل للحوار فإنّ أميركا تعيش حالة من اثنتين في مواجهة "داعش" التي لم تستطع الضربات الجوية أن تؤثر في فاعلية حركته كقوة عسكرية.
الإحتمال الأول وهو أنّ أميركا لا تريد القضاء على "داعش" لما يمثل لها من حاجة في تنفيذ مخطط أميركا الهادف الى خلق حالة الفوضى العمياء والشاملة وبالتالي تتعامل مع "داعش" انطلاقاً من هذا المعيار.
والإحتمال الثاني وهو أنّ أميركا فعلاً لا تستطيع القضاء على "داعش" ولكنها لا تستطيع الإعلان عن ذلك.
أما لماذا نسوق هذا الكلام؟ فلأنّ مسار الأحداث يتجه بنا الى حيث طمح منظرو الفكر التكفيري الذين ارتبطوا بالقاعدة أقله ايديولجياً وإن لم يثبت انتسابهم تنظيمياً، وأعني هنا ابو بكر محمد الذي نشر كتاب إدارة التوحش والذي يحتوي على الكثير من العناوين والتفاصيل التي تحاكي توجهات "داعش"، وكذلك المذكرة الإستراتيجية لعبدالله بن محمد والتي تتكلم عن تفاصيل كثيرة تشبه ما يحصل الآن وما يقوم به تنظيم "داعش" في اكثر من مكان من أماكن الصراع.
وعلى عكس القائلين أنّ داعش تتهاوى فإني أعتقد أنّ داعش التي نشأت كظاهرة من خارج سياق الصراع بدأت بالتحول الى تيّار يخاطب مشاعر الملايين من المسلمين السنّة عبر العالم عبر استخدام فكرة عودة الخلافة الضائعة وهي عنصر الجذب الأكثر رواجاً هذه الأيام، والتي تتنامى وتتصاعد بشكل كبير يوماً بعد يوم.
وعليه فإنّ الجانب الفكري الذي يحيط  بـ"داعش" هو المحرك الأساسي الذي يجب البدء بدراسته بعمق وهدوء للوصول الى ما يمكن من إجراءات لمواجهة هذا الخطر المتمثل "بداعش"، وإن كنا في الآونة الأخيرة بدأنا نشهد تحركات على مستوى مؤسسات الإسلام الرسمي وعلى رأسهم ازهر مصر، إلّا أننا سنحتاج توجهًا جادّاً للشروع في إنشاء مراكز دراسات تباشر في وضع توصيف حقيقي لهذه الظاهرة ومعالجة ظروف نشوئها وتناميها.
وكما أنّ "داعش" تخاطب في مكان ما العقل الباطني الجمعي الأكثري للمسلمين السنة وتصنيفهم كفئة تعاني من المظلومية والعمل على استغلال اوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لتحشديهم في إطار المواجهة المستمرة، لا بدّ أن يكون العمل على إسقاط ظاهرة "داعش" عملاً جماعياً للدول والمؤسسات الدينية والأهلية عبر الوصول الى إرساء قنوات ومسارات حلول للمشاكل التي يستغلها "داعش" ويعمل من خلالها على عامل التعبئة والحشد.
حتى اللحظة تقتصر الدراسات المرتبطة بـ"داعش" على الجوانب التقنية العسكرية دون الأخذ بعين الإعتبار مجموعة عوامل نشوء "داعش" كظاهرة مؤهلة للتصاعد والوصول الى حالة التيار الشامل.
والقائلون أنّ "داعش" ظاهرة لا مستقبل لها هم في الحقيقة لا يستندون إلّا الى وجهات نظر سياسية ورغبات لا تحاكي حقيقة الأمر، وأخطر ما في هذا أنّ التخطيط لمواجهة "داعش" سيكون انفعالياً ولحظياً وارتجالياً ولن يؤدي الى نتائج في تقليص نفوذ وامتداد "داعش".
فهؤلاء الداعشيون ينطلقون من رحم التاريخ وليس من جنباته وهم الوليد الطبيعي لحركة الفكر التكفيري الإلغائي الذي يمتد الى مئات السنين، وهم أيضاً وإن بانت نشأتهم لنا من خارج سياق الصراع فإنما ينطلقون من مشروع واستراتيجيا تعرف ماذا تريد وتخطط بشكل جيد منطلقين أيضاً من خلال التفاصيل البنيوية للمجتمعات التي يتحركون فيها ويستخدمونها كقواعد لحركتهم ونشاطهم.
وفي نظرة سريعة لما حصل نرى أنّ ما جاء في كتابي إدارة التوحش والمذكرة الاستراتيجية تم تنفيذ أجزاء كبيرة منه وأهمها:
1- استطاعة "داعش" استهداف البنى الإستراتيجية في العراق وسورية والسيطرة عليها كسدود المياه ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وآبار النفط وغيرها من المنشآت الحساسة الأخرى.
2-الإنتشار على مساحات واسعة من الجغرافيا لإجبار الجيوش النظامية على تشتيت قوتها ونشرها على مساحات كبيرة بهدف الإستنزاف وتحويلها الى مواقع متفرقة وضعيفة.
3-استهداف المناطق الضعيفة لنشر الصدمة والرعب في هذه المناطق والتأثير معنوياً على السكان الموجودين في المناطق القوية وإيصالهم الى مرحلة عيش الرعب الدائم.
4-الإستخدام المنظّم والكثيف لوسائل الإعلام من خلال وسائل التواصل كافة وخصوصاً شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي.
5-الإعتماد على تكتيكات عسكرية متنوعة تختلف بين منطقة وأخرى وبين زمان وآخر، وهو أمر يدل على وجود عقول مدبرة ومخططة.
6-الإنضباط الشديد الذي يميز عناصر "داعش" والنظام الحديدي في التعامل مع المنكفئين والذي يصل حد التصفية.
إنّ عدم قراءة "داعش" بمنظور شامل سيشكل لنا جميعاً مفاجأة اكبر بكثير ممّا تفاجأنا به الى الآن يمكن القول انها ستكون مفاجأة استراتيجية ستجعل من الحرب تمتد لعقود وليس لسنوات.
وسمة المرحلة الحالية أنّ جميع الأطراف تنتظر بعضها سواء الجانب الأميركي وحلفاءه أو أطراف محور المقاومة.
فأطراف محور المقاومة التي تعتقد أنّ اميركا ستكون مضطرة للدخول في إجراء جدي بدعم هذا المحور في قتاله ضد "داعش" لا يبدو أنها تقرأ السلوك الأميركي بشكل واقعي، والرهان على تبدل النظرة الأميركية الى مشاكل المنطقة لن يكون أمراً واقعياً أقله في السنتين القادمتين.
فأميركا التي تقاتل داعش الآن على طريقة المداعبة وليس على طريقة الضربة القاضية ليست مستعجلة على حسم الأمور في المنطقة، ومن المؤكد أنّ أميركا عندما ستترك المنطقة لتتوجه الى أي منطقة صراع أخرى ستتركها في حالة صراع دموي ولعقود طويلة، وستكون أكيدة من قدرتها على إدارة الصراع بما يخدم أهدافها.
أمر وحيد يمكن أن يفوّت الفرصة على داعش واميركا ويقصر من أمد المعركة وهو الشروع فوراً بتشكيل مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة للبدء بوضع معاييير وقوانين وآليات المواجهة وحسم المعركة.
وإن لم يتم هذا الأمر فإننا سنكون أمام معركة ال100 عام أو ربما أكثر، وستخوض المنطقة في بحر من الدماء لن يكون أحد خارج تأثيره أبداً.

سلاب نيوز

الوسوم (Tags)

سورية   ,   العراق   ,   داعش   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz