دام برس - خاص :

لم يعد الحديث عن المنطقة العازلة في سوريا بجديد، فلطالما طالب بها معارضو النظام السوري مبكراً منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات في البلاد، فقد بدأت المطالبة بها بتاريخ الثاني من كانون الثاني عام ألفين وأحدى عشر ضمن المظاهرات التي خرجت آنذاك وأطلق على الجمعة هذا الاسم.

وتُعرًف المنطقة العازلة عملياً بأنها "منطقة محددة تسيطر عليها قوة حفظ السلام، ولا تدخلها القوات المتناحرة حولها، وتُشكًل المنطقة العازلة لتخلق مساحة فصل بين القوات المتناحرة وتُقلل من خطر تجدد المواجهات، فيما تُسمى أحياناً بمنطقة فصل".

وسبق أن أقيمت في الماضي مناطق عازلة بين (الكوريتين) عام 1953، وفي (قبرص) الخط الأخضر منذ عام 1974، وفي الجولان بين سوريا ودولة الاحتلال الصهيوني تحت إشراف قوة دولية، أمّا آخر المناطق فكانت تلك التي أقيمت بين الاحتلال الصهيوني وجنوب لبنان بعد حرب 2006 ولم تمنع إقامتها من حدوث اشتباكات بين الفينة والأخرى.

ومؤخراً غدت الدول المجاورة للحدود السورية تتسابق على فكرة طرح إقامة مناطق عازلة على حدودها المتاخمةلسوريا.

تركيا طرحت مطلبها في الأمن عبر رئيسها رجب طيب أردوغان، لتترافق إقامة المنطقة مع حظرٍ جوي، والمستجد هذه المرة في فكرة إقامة منطقة العزل هي حماية تركيا من المتشددين الإسلاميين الذين يقاتلون النظام السوري وليس مساعدة الأطراف المعارضة للنظام بعد تفشي الخطر المُسمى بتنظيم داعش.

الرئيس التركي أعلن أن حكومته تدرس إمكانية إقامة منطقة عازلة على الحدود الجنوبية من دون كشف أي تفاصيل عن المنطقة.

لكن المعطيات تشير أن المنطقة المفترضة قد تمتد على الحدود مع إقليم هاتاي، وبعمق عشرين كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وتشمل مناطق مثل جسر الشغور وسلقين وشمالاً إلى عفرين وأعزاز، وشرقاً إلى أطراف محافظة الحسكة ومناطق سيطرة وحدات الحماية الكردية.

منطقة عازلة أخرى تريدها إسرائيل في الجولان السوري المحرر عند الشريط الحدودي مع سوريا في عمق القنيطرة تكون تحت سيطرة المجموعات المسلحة.

وتزداد الأمور فجاجة في ظل إعلان الكيان الصهيوني وفي أكثر من مناسبة وعلى لسان مسؤولين رفيعي المستوى دعمه اللوجيستي وخدماته العسكرية، وصولاً إلى خدماته الطبية المعلنة لعناصر المجموعات المقاتلة في الأراضي السورية أمثال داعش والنصرة.

الحدود الجنوبية لسوريا بدورها كانت موضع نقاش لإقامة منطقة عازلة عند الحدود مع الأردن، قد تشمل محافظة درعا وريفها من دون أي تصريحات من مسؤولين أردنيين تؤكد أو تنفي هذه التكهنات.

ومن ضمن المخططات الغربية التي تُحاك للمنطقة العربية إنشاء منطقة عازلة في سيناء على طول حدود غزة، وهو مشروع إسرائيلي هادف إلى تصفية المقاومة وشل قدرتها العسكرية في مواجهة العدو الصهيوني، في أي عدوان قادم وإبعاد المقاومة الفلسطينية كاملاً عن المشهد السياسي.

الأوساط المصرية تُجمع أن لا مصلحة لمصر في إنشاء مثل هذه المنطقة بل هي مصلحة إسرائيلية بامتياز.

ويرى محللون سياسيون بأن الهدف الأول للحكومة التركية من إقامة مثل هذه المناطق هو إبعاد أي خطر من الفلتان الأمني عن حدودها أولاً، وتوغلها في العمق السوري بمساحة 35 كيلو متراً والتي تكون بمثابة خط الدفاع الاول على حدودها.

وفي حال سيطرت تركيا على هذه المساحة من الأراضي السورية تكون قد أمنت لها قوة سياسية وعسكرية بحكم الأمر الواقع، إضافة إلى أن هذه المنطقة ستخدم تركيا في صراعها مع الأكراد.

دولياً تتفاوت مواقف الدول في سباقها لدعمإنشاء هذه المنطقة، حيث رحّبت فرنسا بالفكرة واصفةً الإقدام عليها بالأمر الضروري، وإن كانت الدوافع الفرنسية للإقدام على هذه الخطوة لا تزال مجهولة لكنها أصبحت في الآونة الأخيرة تقف على أرضية واحدة مع الأتراك بالنسبة للقضية السورية.

مواقف حكومة الولايات المتحدة الامريكية تبدو بعيدة عن نظيرتها الفرنسية، فحكومة أوباما قالت مؤخراً أنها تؤيد هذه الفكرة، وإنما لمحاربة تنظيم داعش فقط ، في وقت تسعى فيه الحكومة الأمريكية إلى دفع النظام السوري باتجاه الحل السياسي.

المنطقة العازلة هي أشبه بعملية تقسيم المقسم، وأٌقرب إلى اتفاقية سايكس بيكو جديد، هدفها جر الجماعات الإسلامية المتشددة بكافة فصائلها  إلى سوريا والعراق، خصوصاً بعد النفوذ القوي لبعضها في الشرق السوري، بعد أن انكشف للجميع أنها أدوات بيد الإدارة الامريكية تضمن من خلالها نفوذها في المنطقة واستغلالها لثرواتها.

اعداد : وسيم قشلان