دام برس :

عشرات الهجمات الكبرى تحت مسميّاتٍ رنّانة استهدفت العاصمة السورية دمشق منذ بدء الأزمة السورية، وجميع هذه الهجمات لم تحقّق أهدافها في الوصول الى دمشق الإدارية، واقتصر تواجد الجماعات المسلّحة خلال السنوات الماضية على الأرياف التي بدأت تتساقط مواقع الجماعات المسلّحة فيها الواحد تلو الآخر إما بفعل ضربات الجيش العربي السوري، أو بفعل المصالحات الوطنية التي شكّل الكثير منها نماذج إيجابية.

آخر المواقع الكبرى للجماعات المسلّحة التي سقطت كانت المليحة، التي يطوّر الجيش السوري الهجوم منها الى مواقع أخرى في الغوطة الشرقية، والجميع بات يُدرك أنّ أيام المسلّحين في جوبر باتت معدودة، حيث يحقّق الجيش السوري هناك إنجازات بطيئة ولكنها فعّالة وقاصمة وتصيب البنيتين البشرية والتحصينية للمسلّحين بشكلٍ كبير، فعشرات الأنفاق تمّ تدميرها، وانتقل المسلحون من حالة تطوير الهجمات الى حالة الدفاع التراجعي بحكم فقدان القدرة على المناورة التي كانت تمنحهم إياها الأنفاق، وكذلك القدرة على الحركة لتضييق الخناق عليهم إمّا بالسيطرة المباشرة على مواقعهم، أو من خلال السيطرة النارية للجيش السوري.

وفي الأسبوعين الماضيين بدأت تتكشّف معالم خطط جديدة لإسقاط مدينة دمشق عبر استبدال الهجمات الكبيرة لفقدان الجماعات المسلّحة القدرة على شنّ هجماتٍ جديدة، بسبب فقدانهم لنقاط ارتكاز هجومية بعد خسارة المليحة والإرباك الكبير في جوبر.

ومعالم هذا المخطّط الجديد تتمثّل في أمرين:

1- الإعلان المسبق عن قصف أماكن محدّدة في دمشق بهدف خلق حالة إرباك والضغط النفسي على المواطنين وشلّ الحركة الإقتصادية.
2- التسلّل من نقاط محدّدة بمجموعات لا تتجاوز الـ150 عنصر، تبدأ بمجموعات قليلة ويتّم دعمها لاحقاً في حال نجح التسلّل كما حصل في الدخانية والكبّاس.

وما حصل أخيراً في حي الميدان والزاهرة يتماشى مع طبيعة المخطّط المرسوم لدمشق، حيث نفذّت مجموعات تابعة لحركة أحرار الشام وجبهة النصرة، قوامها حوالي الـ50 عنصر، عملية تسلّل من مخيم اليرموك وشارع فلسطين عبر دوّار البطيخة بإتجاه الميدان والزاهرة، مستخدمةً شبكة المجاري الصحيّة تحت الأرض.

هذه المجموعة التي استطاعت الوصول الى أكثر من مكان، منها الحقلة والسخانة وميدان زين العابدين والزاهرة القديمة، حيث دارت اشتباكات مع عناصر الدفاع الوطني وقوات الأمن المتمركزة في الأماكن المذكورة وهي كناية عن حواجز ونقاط أمنية، الى حين وصول وحدات من الجيش عملت على إغلاق المنطقة عند حي القاعة ومنطقة النبلاء حيث دارت الإشتباكات الأعنف.

لم تستمّر هذه المعركة طويلاً وانتهت مع ساعات الفجر بمقتل حوالي 36 مسلّحاً وأسر الباقين.
العديد من الروايات تمّ تناقلها عمّا جرى وهي في الحقيقة تندرج في سياق التفاصيل التي تبقى ملكاً لوحدات الجيش والأمن، وما يهمنا في هذه المقاربة السريعة القول بأنّنا أمام مرحلة جديدة من المواجهة تستلزم الكثير من الجهد الإستخباراتي للتعامل مع طبيعة العمليات الجديدة التي تستلزم إجراءات مختلفة عن تلك المعتمدة حالياً.

ومن المهّم أن نذكر أنّ ما حصل في الدخانية وحي الكبّاس تزامن مع تصعيد الهجمات في ريف القنيطرة بهدف إنهاء سيطرة الجيش السوري هناك بشكلٍ كامل، والإنتقال الى تهديد العاصمة دمشق انطلاقاً من منطقة سعسع نزولاً حتى ريف الكسوة وصولاً حتى الريف الغربي لدمشق، وهو ما تسعى الجماعات المسلّحة له بهدف خلق حالة بلبلة مقدمّة لربط هذه المناطق ببعضها للضغط على دمشق تمهيداً لإسقاطها.

هذا المخطّط يبدو حلماً خيالياً في ظلّ موازين القوى الحالية بين الجيش العربي السوري والجماعات المسلّحة، ولكنه بكلّ تأكيد سيؤثر على معنويات السكان في العاصمة، وهنا يكمن دور الإعلام في إبراز حقيقة الوضع وتصوير المشهد بمصداقية وموضوعية.

وفي هذا السياق وكرسالةٍ واضحة، قام الطيران الحربي السوري بتنفيذ غاراتٍ للمرّة الأولى على مواقع للجماعات المسلّحة بالقرب من خط الهدنة مع جيش الإحتلال الصهيوني، كرسالةٍ واضحة للمسلّحين و"إسرائيل" معاً أنّ الجيش السوري ما زال قادراً على التحكم بمفاتيح الميدان وأنّه يملك الكثير من مكامن القوة.

سلاب نيوز