دام برس :

لن يكون لواء داوود آخر الفصائل المسلحة التي تلتحق بداعش، فداعش اليوم غيرها منذ أشهر، فهي تحتوي عنصري الجذب الأساسيين الذين يشكلان الإغراء الأكبر: الخلافة والمال.

بدايةً.. من هو لواء داوود الذي انتقل من ريف ادلب والتحق بداعش في الرقّة، وما هي الحكاية بالضبط؟

تأسس هذا اللواء بداية الأزمة السورية، وكان جزءاً من تشكيلة صقور الشام التي كان يقودها أبو عيسى الشيخ الذي عُيّن في أحد المراحل رئيساً لمجلس شورى الجبهة الإسلامية، والذي تخلى عن موقعه هذا بعد سلسلة من الهزائم بمواجهة الجيش العربي السوري في حلب وريف اللاذقية.
حسان عبود السرميني، نسبةً الى مسقط رأسه سرمين، في منتصف 2013 ونتيجةً لشح الموارد الذي عانى منها لواؤه، لجأ الى البغدادي الذي استجاب لطلبه ومدّه بالمال والسلاح والعتاد، ليتحول لواؤه الى أفضل الألوية تدريباً وتجهيزاً.
وعليه فقد عينه البغدادي أميراً على إدلب وريفها.

كان موقع عمل اللواء في بلدات سرمين، بنش، سراقب، تفتناز، المسطومة، وآفس، وكانت سرمين مركز قيادة اللواء.
يقدّر عدد أفراد هذا اللواء بـ1600 مقاتل مدربين تدريباً جيداً، وبحوزتهم حوالي 15 دباية و25 ناقلة مدرعة وأكثر من 215 سيارة رباعية الدفع، حوالي الـ50 منها مزوّدة برشاشات ثقيلة ومدافع مباشرة، إضافةً الى أكثر من 12 هاون ثقيل وراجمتي صواريخ وما يقارب 6 منصات مضادة للدروع.
خلال السنة المنصرمة، اصطدم اللواء بفصائل الجماعات المسلحة في ريف ادلب اكثر من مرّة، ولتفوّق هذه الجماعات عليه بالعدد والعدّة أعلن حياده وانفصاله عن داعش منذ بداية سنة 2014 وانضمامه مجدداً الى صقور الشام.
وبنتيجة المعارك الأخيرة في ريف حلب، والتي اسفرت عن تحرير المدينة الصناعية، اتفق حسان عبود قائد لواء داوود مع باقي الجماعات المسلحة أن ينقل لواءه الى حلب لمؤزارة الجماعات المسلحة هناك.

وهذا ما حصل فعلاً، ولكن لواء داوود أكمل طريقه الى الرقّة ليلتحق بداعش ويبايع الدولة الإسلامية و"الخليفة أبو بكر البغدادي".
هذا الإنفصال لن يكون الأخير، فالدولة الإسلامية تمتلك عنصري الجذب الأهم: الخلافة والمال.

وبالرجوع الى بدايات تشكّل داعش، كان ملفتاً أنّ هذا التنظيم قد أعار اهتماماً كبيراً لثلاث مسائل ذكرناها سابقاً، ونعيد التذكير بها:

1- الاهتمام الكبير بتدريب وإعداد مقاتليه تدريباً متقدماً يصل بهم حدود الاحتراف، لتعويض فارق العدد بالخبرة، ولهذه الغاية استقطب داعش، كون بداياته كانت في العراق، عدداً كبيراً من ضباط الجيش العراقي السابق وركّز بشكلٍ خاص على ضباط القوات الخاصة وضباط المدفعية والصواريخ وضباط الإستخبارات، حيث أنشأ مجلسين عسكري واستخباراتي الى جانب مجالسه الأخرى، وقد قام هذان المجلسان بتدريب أعداد كبيرة على أعمال القيادة والاستخبارات والعمليات الخاصة التي تعتمد عناصر المباغتة والحركة السريعة، ولوحظ الأمر من خلال اعتماد التنظيم على السيارات رباعية الدفع التي يندر أن تكون بدون أسلحة ثقيلة محمولة عليها لتأمين عنصري الحركة والكثافة النارية وتحديداً داخل المدن.

2- اهتمام التنظيم بالجانب الاقتصادي، حيث عمل على الانتشار في مراكز آبار النفط في المنطقة الشرقية في سورية ليحول الرقة الى منطقة تابعة له بالكامل، فيما لا تزال عملياته مستمرة لإخضاع كافة مدن وقرى المنطقة الشرقية من البوكمال الى دير الزور. ومن الجدير ذكره أيضاً أنّ تنظيم داعش ذهب باتجاه السيطرة على أماكن السدود المائية ومحطات الكهرباء وتوزيع المياه في كل من سورية والعراق، لما لهذه المنشآت من دور حيوي يتيح لداعش التحكم بالكثير من المدن والقرى وتهديدها بتفجير هذه السدود وإغراقها ربما في مرحلة ما.

3- الجانب الإعلامي كان من أهم ما ركّز عليه تنظيم داعش، حيث اعتمد في هذا الصدد على الكثير من المواد الإعلامية التي تبرز قوة وبطش التنظيم وانتصاراته مع قليلٍ من البيانات، ما شكّل عامل دعاية واستقطاب لتسويق التنظيم في صفوف الشباب عبر العالم الإسلامي، وما إعلان الخلافة الاّ جزء من هذه الخطة الإعلامية التي تسير بقوة الى جانب عوامل أخرى تشكّل عوامل قوة التنظيم.

ما جرى مع لواء داوود حصل في البوكمال ويحصل في الكثير من الأماكن، حيث يتهاوى الجيش الحر وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات أمام زحف داعش التي تسبقها سمعتها السيئة في البطش والقتل والذبح، لتشكل عامل رعب للسكان والعشائر وايضاً الجماعات المسلحّة.
بالتأكيد إننا نعيش مرحلةً من التحولات الدراماتيكية التي ستشهد فصولاً قد لا نتوقعها، مما يفرض على الجيشين العراقي والسوري الذهاب باتجاه اعتماد خطط أكثر مرونةً في مواجهة داعش في المرحلة القادمة.

وبالرجوع الى لواء داوود الذي سيشكل انسحابه من ريف ادلب ثغرة في صفوف الجماعات المسلحّة، ما سيرتب على الجيش السوري القيام بمهام ميدانية وأخرى استخباراتية سريعة للاستفادة من هذه الثغرة.

لا يشعر المراقبون لمسار الميدان في الجبهة السورية بالكثير من القلق على حركة تقدم الجيش السوري سواء في المرحلة الحالية او في المراحل اللاحقة في مواجهة داعش، التي لا يبدو أنّ الجيش السوري مستعجلٌ لخوضها رغم الكثير من الضربات الجوية التي ينفذها على مواقع داعش، بانتظار أن تفعل داعش فعلها في إرهاب سكان المناطق الشرقية بحكم تحوّلها الى خلافة وممارستها دور الحاكم الشرعي والقاضي والجلاّد في آن، ما سيؤدي في لحظة قادمة الى انفضاض الناس والعشائر عنها وحدوث تحول في مواقفها ومسارها ننتظره في القادم من الأيام.

قد يفهم البعض من كلامي أنّ داعش تخدم الجيش السوري في سياق ما يشاع انها من تصنيعه. يبدو الأمر كذلك إن ماشينا الإدعاءات التي تمّ تسويقها منذ فترة، وعكس ذلك إن وضعنا الأمر في إطار لعبة الحرب التي تحصل الانتصارات فيها على أنقاض المتصارعين وعلى وقع خلافاتهم، وهي اللعبة التي لا رحمة فيها.
وعلى عكس سورية التي يمكنها أن تتحكم في مسار الميدان، يبدو الأمر في العراق اكثر تعقيداً، حيث بدأ الجيش العراقي في إقامة سواتر ترابية ونقاط مراقبة على طول الجبهات المحتملة مع داعش. هو إجراءٌ لا بدّ منه للأسف، في غياب التجهيزات الملائمة لدى الجيش العراقي، وكذلك الأمر بالنسبة للأسلحة البرية وسلاح الجو.

في الحقيقة، إن قاتل كلّ من العراق وسورية بمواجهة الهجمة بشكلٍ منعزل فإننا أمام معركة طويلة بعض الشيئ. وعليه، فإنّ على العراق وسورية وفلسطين وربما لبنان أيضاً الذهاب الى خيار وحدة الإرادات والجبهات في مواجهة وحدة الهجمة تخطيطاً وإعداداً وطاقات.

سلاب نيوز