Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 21:37:24
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
صناعة الفخار في طرطوس .. تراث وأصالة

دام برس ـ طرطوس ـ سهى سليمان :
تتميز قرى الساحل السوري بحرف يدوية عدة ترتبط بتراث وتاريخ الريف الساحلي، ومن أبرز تلك المهن الصناعات الفخارية والقش التي تعد مصدر رزق لعدد كبير من الفلاحين والحرفيين.
ومن أبرز تلك المنتوجات الفخارية (المقالي ــ القدور ــ المباخر ــ الصحون) وغيرها الكثير التي تعد أساسية في المطبخ الساحلي، كما تشتهر قرى طرطوس بصناعات عدة باستخدام أعواد الريحان من أهمها صناعة "القفة ـ السانونة ــ الأقفاص".
"مقلي الفخار" حكاية تاريخ قديم
تتحدث القصص القديمة أن سيدة فقيرة تدعى "جوهرة السويقات" من قرية "دوير المشايخ" الواقعة بالقرب من بلدة برمانة المشايخ التابعة لمحافظة طرطوس، أن الحال بها ضاقت ولم يعد بمقدورها طبخ الطعام بالأوعية النحاسية أو المصنوعة من الألمنيوم بسبب غلائها وعدم مقدرتها شراء أي منها، لذلك فكرت بطريقة تستطيع من خلالها أن تطبخ وتطعم أولادها بأرخص الأثمان.


وما لبث لتلك السيدة أن عادت إلى الطبيعة وتابعت بحثها الدائم حتى بدأت بجمع التراب بشكل عشوائي وعجنه بالماء لصناعة المقلي وطبخ الطعام فيه لإطعام أولادها، ولا شكّ أنها نجحت بفكرتها وفشلت بطريقة الصناعة، بسبب ذوبان المقلي بعد الطبخ وتأثره بالنار، لكنها ومع القليل من التعديلات على طريقة الصناعة توصلت إلى طريقة صناعته التي ما تزال متبعة بحذافيرها حتى الآن، بعدما أورثتها لجميع نساء القرية.
"المقلي" أداة تراثية قديمة قدم التاريخ، تعجنها الأيدي المتشربة من الخير تراب الأرض وبساطة الحياة ومتعة التراث لتضفي على الطعام نكهة الأصالة، وطعم الطبيعة التي لا تقاوم.
يزيد عمرها على ثمانية قرون ذاع صيتها في الشرق والغرب لما للطبخ فيها من لذة وشهية، وتعد من أقدم الأدوات المستخدمة في المطبخ السوري، وتمتاز بأنها صحية جداً لتقديم وحفظ الأطعمة كونها بعيدة عن التفاعلات الكيماوية التي تحصل خلال هاتين العمليتين.
عجينة التراب والملح لصنع المقلي
وتتحدث السيدة "أم محمد" من قرية دوير المشايخ عن مراحل صناعة "مقلي الفخار" حيث تبدأ المرحلة الأولى بتحضير العجينة والمؤلفة من تراب أحمر معين يحصل عليه من منطقة تدعى "تنغري" في ريف الشيخ بدر، حيث يجب الحفر على مسافة متر ونصف عمق للوصول إلى هذه التربة التي تتميز برطوبتها وتجانسها.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة "دق أو طحن الحجر الملحي" على الرحى الحجرية للحصول على مسحوق أبيض ناعم يتم رشه أو إضافته على (العجينة) خليط التراب المنقوع بالماء لحوالي 24 ساعة.
ويسمى هذا الحجر بـ "دب الملح" ليمنح العجينة قوة وتماسكاً كبيراً، وللحصول على عجينة متجانسة أكثر نستمر بدق خليط التراب بعض رش المسحوق الملحي عليه، وذلك بواسطة مدقة خشبية كبيرة.
تدوير بشكل عرضاني... قاعدة وفتحة رأس.
وتضيف "أم محمد" بعد مرحلة الدق يجمع الخليط ويوضع على طبق مصنوع من القش أو علبة بلاستيكية، لتبدأ مرحلة (فتح الخليط) من خلال صناعة تجويف عميق في الخليط يكون بداية صناعة المقلي أو كما يعرف بالعامية "إدارته".
أما عن مرحلة تدوير الخليط تكون بشكل توسعي عرضاني، فيصبح الخليط بشكل وعاء قاعدته صغيرة وفتحة رأسه كبيرة وعريضة، وهذا طبعاً بواسطة اليدين اللتين تعملان باحتكاك مباشر مع الخليط وبشكل توسعي، وبعدها تبدأ مرحلة "قطع المقلي" وهذا من خلال قطع حواف المقلي من الأعلى وإضافة القليل من خلطة التراب المنقوع بعد فركها جيدة وتدويرها باليدين لتصبح بشكل الحبل، إلى حواف الوعاء العليا لتصبح سميكة نوعاً ما، مع إضافة أربعة زوائد خارجية على الوعاء لتصبح بشكل المقبض الذي يستخدم لرفع المقلي عن النار خلال وجبة تحضير الطعام.
لا عيوب في الصناعة... بعد التحسين والتمليس
وعن "مرحلة التحسين" تتحدث "أم محمد" أن في هذه المرحلة نعطي سطح المقلي تماسكاً وتجانساً ونعومة وتملأ بعض الثقوب الصغيرة في حال وجدت، وذلك بواسطة الماء وقطعة حجرية ملساء تدعى "الحصوة" ولها شكل البيضة، حيث يفرك سطح المقلي بها بعد وضعها في الماء قليلاً حتى يصبح ناعماً، ومن ثم تأتي مرحلة التمليس أو "التقشيط" الخاصة بجسم المقلي الخارجي، وتستخدم في هذه المرحلة شفرة مقص معدني لإزالة الزوائد وإعطاء القوام النهائي للمقلي، الذي يتصف بالنعومة والتجانس التام.
أوراق السنديان تصبغ "المقلي" باللون الأسود.


وتؤكد "أم محمد" على وضع المقلي في الظل لحوالي /3/ أيام متواصلة حتى يجف منه الماء، وفي اليوم الرابع يوضع لحوالي /6/ ساعات تحت أشعة الشمس، للتخلص النهائي مما تبقى فيه من ماء، وبعدها تبدأ مرحلة "الشوي في التنور" حيث نضع المقلي في التنور ونشعل النار ونترك المقلي فيه حتى يصبح لونه أحمر كالجمر، ثم نرفعه من التنور.
وهنا نبدأ بمرحلة "الصبغة" من خلال وضع أوراق أشجار السنديان اليابسة في المقلي، وهذه الأوراق مجموعة من تحت أشجار السنديان والتي تسمى بالصبغة، ليتم تقليبه على ظهره ونضيف إليه الكثير من الأوراق حتى تغطيه بالكامل، وبعدها يترك المقلي مغطى لحوالي /5/ دقائق فقط ليحصل على اللون الأسود، مع الانتباه الدائم له لكي لا تشتعل النار بالأوراق نتيجة حرارة المقلي المرتفعة.
وفي المرحلة الأخيرة "التنعيم" نقوم باستخراجه من بين الأوراق وفركه بواسطة قطعة قماشية نظيفة لتزيد من نعومته الداخلية والخارجية، وبذلك يكون جاهزاً لاستخدامه وصناعة الطعام فيه.
تهيئة وتمرين المقلي لحمايته من الكسر
كما تشدد العاملة على أهمية تمرين مقلي الفخار قبل استعماله، والتي تعرف بأنها عملية "تهيئة المقلي" كي يكون جاهزاً للاستخدام ولا يصبح عرضة للكسر، وذلك من خلال وضع القليل من زيت زيتون في المقلي ووضعه على النار وتركه يغلي ليصار إلى تدوير الزيت في جميع الاتجاهات حتى يتشربه الوعاء من جميع الزوايا، كما يمكن أن نملأه بزيت زيتون ونتركه يغلي لنحصل على النتيجة نفسها.
أما عن عملية تنظيف المقلي بعد الطبخ فيه فتقول إنها سهلة جداً ولا تحتاج إلا للماء ومواد التنظيف العادي، حيث يتعامل كبقية الأوعية التي يتم تنظيفها، وفي حال وجدت بعض البقع المستعصية يمكن وضع الماء فيه لحوالي ربع ساعة حتى تتنقع بقايا الطعام وتصبح جاهزة لإزالتها.
كما أكدت أن هناك العديد من الصناعات الفخارية المشابهة للمقلي، كصناعة "القدور الكبيرة الشبيهة بـالطناجر، أو صناعة الصحون الفخارية وهي تكون وفقاً لطلب الزبون.


المباخر الفخارية: جمر وطيب
أشكالها عديدة وألوانها مختلفة، تنبعث منها روائح طيبة، لا يخلو بيت إلا وتجدها فيه لتطهير البيت ونشر رائحة الطيب فيه أو على القبور... هي تلك الأداة التراثية القديمة الحديثة: المبخرة "المجمرة" تستخدم لوضع الجمر والبخور لحرقه وخاصة في الأعياد وشهر رمضان وبعض المناسبات الخاصة.
وتعدّ صناعة المباخر قديمة قدم التاريخ فهي قطعة فنية في أثاث البيوت، كانت تصنع قديماً من الفخار والجص والشخب والنحاس أو بعض المعادن الأخرى أو من الخيزران بأشكال هندسية ونماذج بديعة وأحجام مختلفة وفقاً لرغبة الزبون.
وعلى الرغم من التطور الكبير الذي طرأ عليها لكن العديد ما زال يصنعها من الطبيعة، حيث يشكل بيديه "مبخرة" لا تدخل الآلة في صناعتها، وإنما يحصل على المواد الأولية من تراب وملح وماء ليشكل عجينة مشابهة تماماً لعجينة "مقلي الفخار"، كما يعمل على تنظيفها وتدويرها عبر الحرق بالنار وتصميمها، إضافة إلى تلوينها بألوان مختلفة أشهرها الأحمر والأسود.
وتشكل المباخر الفخارية مصدر رزق للعديد من المواطنين، كما أنها قليلة التكاليف بالنسبة لهم حيث يعتمد في صناعتها على الطبيعة، كما أن الفخار يعد مادة مقاومة للحرارة بشكل كبير.
تشبه المبخرة الجسد البشري في أقسامه، حيث تتكون من (قاعدة وجسم ورأس) فلديها قدمان أو القاعدة التي تستند على المكان الموضوع فيه، في حين يشكل الجسم أو الوسط خصراً نحيلاً ليساعد على إمساكها منه، أما الرأس على شكل صحن صغير ويسمى المجمر يوضع فيه الفحم المشتعل والدخون والبخور.
تجمع المباخر في كيمياء قوامها و استخداماتها، العناصر الأربعة الأساسية في الكون: الماء والتراب والنار والهواء. لذا تعتبر لدى العامة مباركة مثلما يُعتبر العود والبخور على أنواعه فأل خير.
(2) الريحان مرونة ومنتوجات مختلفة
يشتهر ريف طرطوس بمصنوعات وجدت طريقها للحياة بأيادٍ ريفية صاغت منتوجات منزلية من بيئة طبيعية، جاب أصحابها الجبال والتلال والأنهار ليجلبون أعواد الريحان التي تزخر بها ضفاف الأنهار، ليصنعوا منها تحفاً فنية تعبر عن تراثهم وطبيعة حياتهم..
ويجمع الحرفي أعواد الريحان الطرية التي يمكن التعامل معها وتطويعها لصناعة منتجه، كما يقوم باختيار أحجام متعددة للأعواد بحسب نوع المنتج واستخداماته.
ومن أبرز تلك المصنوعات: (السانونة لحفظ المقالي الفخارية ـ القفة أو القفير ــ القفورة أصغر من القفير ـ أو "الكيلة" لجمع التين أو لحفظه من عام لآخر ــ "القفوصة" لوضع البيض أو أقراص الشنكليش ـ إضافة إلى بعض السلال الصغيرة لوضع الخضار أو لحفظ الطعام وتقديمه)، كما يصنع في بعض الأحيان من أعواد الريحان والقش سوية "الخابية" التي تستخدم لخزن الحبوب.
ويشتكي أغلب الحرفيين من أن أسعار المنتجات من السلال وأطباق القش لا تتناسب مع الجهد المبذول في الصناعة بما تتضمنه من عملية جمع القصب وأعواد الريحان التي أصبحت قليلة الآن، إضافة لعدم القدرة على تلوين الأعواد وصبغها، كما يقوم بعض الصناع الحديثين.
"السانونة" و"القفة"... جمالية وسائل حماية
من المعروف أن لكل "مقلي فخار" قاعدة يوضع فيها بعد رفعه عن النار، وتسمى بـ "السانونه"، وهي بشكل سلة يصنعها من أعواد الريحان، وتؤمن الحماية الدائمة للمقلي ضد أي أذيه قد تعرضه للكسر.
تصنع "السانونة" من أعواد الريحان التي تنتج فيما بعد ثمرة "حبّ الآس" حيث تبدأ الخطوة الأولى بزيارة "البرية" الطبيعة للبحث عن أعواد الريحان الطرية واختيار الأفضل منها التي تتصف بالمرونة وقوة التحمل والرائحة العطرة، ثم تشذيبها من بقاياها ووضعها في الهواء وتحت أشعة الشمس لتجف كي تصبح جاهزة للتعامل والتصنيع.


سلال خضراء.. واستخدامات عدة
أما صناعة "القفة" فتعدّ شبيهة بصناعة "السانونة" من حيث المواد الأولية وهي أعواد الريحان الطرية بعد تشذيبها وتجفيفها.
وتستخدم "القفة" لوضع القمح المسلوق أو "الحنطة المسلوقة" بلغة القرية، أو لاستخدامات عديدة كوضع ثمر التين بعد قطفه، أو وضع الحطب المجهز للحرق في المدفأة.
وتعد طريقة صنع كل من السانونة أو القفة الصغيرة "الكيلة" أو الكبيرة متشابهة من حيث الصنع، حيث تبدأ أولى مراحلها بـ "البدوة" وهي أساس السلة حيث تتألف من ثمانية أضلاع أو قضبان تسمى "الملك" وأكثر ما يميزها أنها أثخن من باقي القضبان التي تسمى الخلوف المحضرة لتتشابك لاحقا مع قضبان الملك بشكل ضفيرة.
بعد الانتهاء من صنع الملك يدخل إلى جانبها أربعة خلوف تشتبك حول الملك لتثبيته ومن ثم يتم تفريعهم نحو الأعلى حسب حجم السلة أو طولها ثم يلي ذلك صنع ديران "الكيلة ـ القفة" أي حواف السلة التي تسمى بعد الانتهاء منها بـ "الجمار".
وخلال إنجاز أساس وجمار السلة تصنع يدها أو حاملها كجديلة رائعة متشابكة مع جسم السلة دون تدخل خارجي أي تخرج من أساس وجسم السلة دون أن يثبتها مسمار أو عود دخيل بحيث يتم صنع السلة من العيدان وهي خضراء غضة لتترك بعد ذلك مدة حتى تيبس وتصبح صالحة للاستعمال.
إن تلك الأدوات الفخارية والمصنوعة من أعواد الريحان هي منتوجات صحية تحافظ على سلامة الجسم من أي مواد كيميائية، ومن هنا تبرز ضرورة العودة إلى الطبيعة لما تحمله من خير وسلامة للبيئة والإنسان، ومن الضروري أيضاً استخدام كافة الأدوات اليدوية الطبيعية للمحافظة على تراث الأجداد والذي يعد هوية وتقليداً وتراثاً للساحل السوري يفتخر به الجميع.

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz