دام برس ـ سهى سليمان ـ طرطوس :
سقطت دموع أيادي المزارعين السمراء على تراب تلك الأرض الطيبة، ولفّ الحزن آمال البعض الذين حلموا بها لتحسين مستواهم المعيشي، أو دفع تكاليف دراسة أولادهم.
منظر مأساوي لشتلات التبغ التي تعرت من لباسها الأخضر، وأصبحت عيداناً عارية أو بثياب ممزقة.... موسم التبغ هذا العام - الذي طالما يعتمد عليه الفلاح بمحافظة طرطوس بشكل أساسي بموارده المعيشية –تضرر بفعل المنخفض الجوي الذي ساد المحافظة خلال الفترة الماضية، والذي أدى لحدوث أضرار كبيرة في موسم التبغ بعدد من المناطق والقرى أبرزها القدموس والشيخ بدر والدريكيش بنسب متفاوتة.
لأهمية الموضوع ولأن مؤسسة "دام برس" الإعلامية تعنى بالمواطن بالدرجة الأولى جال فريقها على بعض قرى ريف طرطوس للاطلاع على حجم الأضرار واستطلاع آراء بعض المزارعين حول التعويض المتوقع وزيادة أسعار التبغ:
زيادة أسعار التبغ لا تزال ضئيلة مقارنة بالجهد والتكلفة
المزارع "أبو علاء" من القدموس أوضح أن عملية جني محصول التبغ تتطلب عملاً ووقتاً طويلاً يبدأ من خلال تجهيز المشاتل الخاصة بزراعة بذور التبغ المجهزة مسبقاً لهذا الغرض، وذلك في شهري كانون الثاني وشباط، ليصار إلى سقايتها لفترة معينة وتنظيفها من الأعشاب الضارة، ثم ترش بذور التبغ لتنمو وتوضع عصي على شكل أقواس على امتداد المشتلة بهدف تغطيتها بالنايلون وحمايتها من الظروف الجوية.

وأضاف أن المشتلة تبقى مغطاة لفترة تزيد عن الشهر حتى تنمو البذور وتصبح شتول صغيرة، ليتم بعدها نقلها إلى الأرض وزراعتها والاعتناء بها.
وتطرق إلى أن موسم التبغ كان جيداً هذا العام، لكن موجة البرد التي أصابته سببت أضراراً كبيرة له، معبراً عن حزنه، لكنه مؤمن بالله، مطالباً الجهات المعنية بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بموسمه بطريقة تعوض له الجهد والتكلفة التي دُفعت.
كما طالب بتأمين الأسمدة والأدوية اللازمة لعملية زراعة التبغ بالسعر المقبول وبشكل مستمر، وزيادة أسعار التبغ أكثر من الزيادة الأخيرة التي لا تزال ضئيلة مقارنة بتكلفة الإنتاج.
24 مليون ليرة سورية قيمة الضرر في موسم التبغ
وذكرت مصادر في مديرية زراعة طرطوس أن عدد المزارعين المتضررين بلغ 8723 مزارعاً وأن كمية الإنتاج المتضررة 36972 طناً وقيمتها ما يقارب 24 مليون ليرة سورية، حيث بلغت المساحات المزروعة بالتبغ فقط في منطقة القدموس المتضررة من جراء المنخفض الجوي الذي ساد محافظة طرطوس خلال الفترة الماضية /2429/ دونماً، وكانت نسبة الضرر في المساحة المذكورة تراوحت بين 30 و90 بالمئة وتركزت في قرى الطواحين والقدموس والحاطرية ورام ترزة ودير الجرد والسعدانة وبلوسين وكعبية عمار والشعرة والسقلية والجماسة القبلية وقنية والدي وحدادة والدويلية وجوفين.
تكاليف كبيرة والضرر أكبر، هل هناك تعويض؟

أما الفلاح صالح عيسى من قرية برمانة المشايخ أوضح أنه قام بزراعة 2 دونم من أرضه بمحصول التبغ، وتضرر بأكمله، حيث أصابه البرد خلال دقائق كان الورق قد تمزق بأكمله، متمنياً على الجهات في مؤسسة التبغ والزراعة أن تفي بوعودها بالتعويض، مؤكداً أنه دفع تكاليف كبيرة حتى كبرت شتلات التبغ، ولكن للأسف حبات البرد ضربت الموسم وسببت أضراراً كبيرة لا يمكن تحملها.
وأشار إلى أن هو وعائلته وأولاده يقومون بالاعتناء بالشتلات، إضافة إلى قلع الشتلات غير الصالحة ليتم زراعة بدلاً منها، كما أنهم يدفعون تكاليف السماد والأدوية خوفاً من أي حشرات قد تصيبها.
كما أكد أن زيادة الأسعار للتبغ لا تزال غير متناسبة مع الجهد الذي يبذله المزارع والوقت الطويل الذي يقضيه لحين قطاف المحصول.
مطالب بتناسب سعر التبغ مع مجهود المزارع
بدوره المزارع حبيب عرار من قرية الرقمة تضرر محصول التبغ لديه، حيث زرع 4 دونم من أرضه وكانت نسبة الضرر تقارب 50%، وبيّن أنه قدم طلب تعويض في الوحدة الإرشادية وينتظر لجنة الكشف للتحقق من الضرر.

واقترح أن يتم غض النظر عن التبغ المتضرر أثناء تقديمه إلى مؤسسة التبغ، من خلال وضع سعر إجمالي واحد لجميع أنواع التبغ، مطالباً بضرورة رفع أسعار بيع الكيلو غرام الواحد من التبغ بعد الزيادة الأخيرة ليتناسب مع الجهد والتكلفة التي يحتاجها العمل، لا سيما بعد رفع أسعار المحروقات بشكل عام والذي يؤثر على تكلفة موسم التبغ.
صندوق الكوارث في وزارعة الزراعة هو المعني بالتعويض
رئيس الوحدة الإرشادية في قرية الرقمة المهندس وسام إسماعيل تحدث أن قطاع الرقمة يضم قرى أخرى وهي (الكنيسة ـ المجدل ـ الطاهرة ـ عين الجوز)، مبيناً أن 214 دونم من أراضي القرية مزروعة بمحصول التبغ، حيث بلغت نسبة الضرر في موسم التبغ 80%، فيما بلغ عدد المزارعين المتضررين 128 مزارعاً.
وأوضح أنه يتم تقديم طلبات الاعتراض والتعويض لصندوق الكوارث وهو تابع لوزارة الزراعة والذي أحدث بالمرسوم التشريعي رقم /114/ لعام 2011... وسمي بـ "صندوق الجفاف والكوارث الطبيعية على الإنتاج الزراعي"، ومن أهم مهامه التعويض على المزارعين الذين تضرر إنتاجهم الزراعي بسبب الجفاف والكوارث الطبيعية بهدف التخفيف من آثارها على الإنتاج الزراعي.
وللصندوق شروط خاصة من خلال تقديم معلومات توضيحية عن سبب الضرر وتاريخ حصوله وحجمه ونسبته، حيث يتم عرض الطلبات للصندوق ومن ثم يرسل لجنة كشف تتضمن أعضاء من الصندوق ورئيس الدائرة الزراعية للتأكد من معلومات الضرر.
الدخان السوري هو الوحيد في العالم الخالي من المواد المهيجة للاشتعال
ولمزيد من المعلومات والتفاصيل حول الموضوع زار فريق "دام برس" الإعلامي في محافظة طرطوس أيضاً المؤسسة العامة للتبغ وعدداً من الإرشاديات الزراعية والمهندسين المشرفين على المراكز في المناطق، والذين قدموا شرحاً توضيحياً عن أنواع التبغ المزروع في طرطوس: الصنف البلدي: (شك البنت)، ويعد العمود الرئيس للمؤسسة حيث يدخل بنسبة عالية في صنع السجائر، أما (الصنف البرلي): وهو مروي ويدخل في صناعة السجائر بنسبة بسيطة، في حين يدخل في صناعة السيجار السوري الذي يعتبر من أجود الأنواع.
وعن (التمباك) ذكرت المؤسسة أنه صنف مروي ويدخل في صناعة السجائر بنسبة بسيطة، حيث يعتمد عليه بشكل أساس في صناعة المعسل، مشيرة إلى أن الدخان السوري هو الدخان الوحيد في العالم الخالي من المواد المهيجة للاشتعال، والذي يعد من أكثر المواد السامة في السيجارة.
كما أكد عدد من المهندسين الزراعيين أنه تم التنسيق مع مديرية زراعة طرطوس من خلال الوحدات الإرشادية لتعويض الضرر عن طريق مجلس الكوارث الأعلى التابع لوزارة الزراعة، على أن تقدم المؤسسة العامة للتبغ التسهيلات للمزارع، بعد حصر الأضرار وشراء محصول التبغ بالتسعيرة العليا.
زيادة أسعار التبغ 60% عن العام الماضي، وزيادة أخرى متوقعة.

وكانت المؤسسة العامة قامت بتأجيل ديون المزارعين المتضررين إن أحبوا للعام القادم، وزادت أسعار التبغ عن العام الماضي بنسبة 60%، حيث زاد سعر الكيلو غرام الواحد من صنف (شك البنت) الإكسترا من 500 ل.س إلى 700 ل.س، في حين زاد سعر كيلو التنباك من 400 إلى 650 ل.س.
هذا ومن المتوقع أن تقوم المؤسسة بزيادة أسعار التبغ هذا العام مرة أخرى بما يتناسب مع مستلزمات الإنتاج وتكلفة المحصول، بحيث تكون أسعار مرضية للمزارع وخاصة بعد زيادة أسعار المحروقات.
تضرر عشرات القرى والبلدات في المحافظة
تجدر الإشارة إلى أن المناطق المتضررة في محافظة طرطوس هي مناطق:
أولاً- الشيخ بدر: والتي تضم قرى: (المريقب ـ كوكب الهواء ـ الفندارة ـ المزرعة ـ عقر زيتي ـ الزريقة).
ثانياً- برمانة المشايخ: والتي تشمل قرى وبلدات (جوبة مجبر ـ مجبر ـ بيت حجو ـ بشمعة ـ المقبلة ـ الصوراني ـ بغيدات ـ الدردارة ـ السموقة ـ برمانة المشايخ).
ثالثاً- عين الجوز: وتتضمن قرى: (الرقمة ـ الكنيسة ـ الطاهرة ـ الشيحة ـ عين الجوز ـ حمام قنية ـ تلة).
وينتظر المزارعون في المحافظة أن يتم تعويضهم عن الضرر الكبير الذي لحق بمحصول التبغ هذا العام، آملين من الجهات المعنية زيادة أسعار التبغ بشكل أكبر ليكون متناسباً مع حجم عملهم وتكلفة الإنتاج وشراء المبيدات اللازمة لضمان محصول خالٍ من الأمراض.