دام برس - عاطف عبد الهادي :

صاحب أحد المقاهي في كندا  كتب على  لافتة أمام مقهاه  العبارات التالية :
No wi fi
Talk to each other ..!
Call your MOM..!
Pretend it's 1993
Live
وترجمتها :
لا يوجد واي فاي
تحدثوا إلى بعضكم البعض
اتصل بوالدتك
تظاهر أنك في عام 1993
وعش حياتك.
وعندما رأيت هذه العبارات تذكرت كيف أنه ظاهرة الإدمان على الأنترنيت وعلى استخدام التكنولوجيا غزت حياتنا أيضاً ولم تعد هذه الظاهرة تقتصر على المجتمعات الغربية ، ونرى حالياً أن الكثير من أصحاب المقاهي في بلدنا قاموا بتزويد مقاهيهم  بخطوط  أنترنيت سريعة لجذب أكبر عدد من الزبائن،حيث يرون أن من أهم مقومات نجاح أي مقهى أو كافتريا بالدرجة الأولى وجود أنترنيت سريع ،بالإضافة للأركيلة.

فعندما تدخل الكثير من المقاهي  نادرا ما ترى أحداً ليس بيده جهاز ويكبس بأزراره ومعمرها بأركيلة غير شكل ، ينفث فيها ويخرج غيمة من الدخان تكاد تغطي جو المقهى بأكمله.
كان قديماً الأصدقاء والأحبة يتجمعون ويجتمعون ويلتقون بالمقاهي ويتبادلون أطراف الحديث ويضحكون ويقهقهون ، وكانت تلك التجمعات حقيقة تعكس المحبة للقاء ورؤية الأصدقاء للحديث والنقاش والحوار ، وكانت هذه اللقاءات  حقيقة تعزز التواصل الاجتماعي.
لكن حالياً المشهد تغير وبات  فئة كبيرة من الشباب اليوم يجتمعون مع بعضهم البعض في المقاهي، لكن ما أن يجلس الواحد منهم على كرسيه ، حتى يستل جهازه ويبدأ بتكبيس الأزرار لينتقل إلى عالمه الافتراضي ويتابع ما يحلو له وينفصل عن العالم من حوله ،وبالتالي هؤلاء يجتمعون جسداً ولكن عقولهم وأفكارهم وعيونهم مشدودة للجهاز الذي بين أيديهم وبالكاد يتحدثون إلى بعضهم البعض ،يبحرون في  بحار ومحيطات الأنترنيت، وما تقدمه مواقع التواصل الإجتماعي وينسون التواصل والحديث فيما بينهم  . 
الآن أغلب الناس منشغلون بثورة مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى ما يبدو أن مواقع التواصل المنتشرة على الشبكة العنكبوتية ستنهي التواصل الحقيقي بين الناس، وستؤثر على التعبير، والغريب أنه في بريطانيا بدأت تنتشر معاهد لتعليم التعبير حيث تقلصت موهبة التعبير لدى الكثير من مستخدمي مواقع التواصل  فهم قادرون على الكتابة على النت وبسرعة قصوى ولكنهم غير قادرين على إيصال أفكارهم بسهولة وبسرعة من خلال الحديث والكلام .
  والغريب أن عدوى هذه الظاهرة انتقلت إلى منازلنا أيضاً، حيث أصبح المشهد مألوفاً أن ترى أفراد العائلة كل أخذ زاوية واستقر فيها وبيده موبايل أو لاب توب أو تاب ....ومنهمك بالنظر والمتابعة وبطج اللايكات وكتابة التعليقات ، يجلسون لساعات طويلة ومتواصلة دون التحدث بين بعضهم البعض، والتلفزيون شغال يعمل لوحده دون أن ينتبه إليه أحد، والمضحك  أن بعض أفراد العائلات باتوا يتبادلون الطلبات وأطراف الحديث بين بعضهم البعض بالرسائل أو من خلال مواقع التواصل رغم أنهم  متواجدين  في نفس البيت ونفس  الحيز المكاني .
نعترف بأنه في هذا العصر بالذات بات من الصعب الاستغناء عن التكنولوجيا، فكما لهذه التكنولوجيا جانب ايجابي كبير أيضاً لها آثار سلبية كبيرة إذا لم نحسن استخدامها ،فمن الجميل أن نستفيد منها بما يخدم حياتنا ومصلحتنا ، بحيث لا نتحول إلى عبيد لها ، وأن لا نصبح مدمنين أو مهووسين بها، جميل أن نمتلك التكنولوجيا لكن على أن لا تمتلكنا هي ....؟